ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين.
وتعظيم حرمات الله يكون بتعظيم أمره ، وتعظيم أمره يكون بترك مخالفته ، لأن من طلب الرضا بغير رضا الله لا يصل الى القبول أو الرضوان. والحرمات جمع حرمة وهي ما يحل هتكه ، وجميع ما كلفنا الله به بهذه الصفة ، من مناسك الحج وغيرها ، ويحتمل أن يكون ذلك عاما في جميع تكاليفه ، وقد روي أن الحرمات خمس : الكعبة الحرام ، والمسجد الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمشعر الحرام.
ويقول ابن كثير : من يجتنب معاصي الله ومحارمه ، ويكون ارتكابها عظيما في نفسه ، فهو خير له عند ربه ، أي فله على ذلك خير كثير وثواب جزيل ، فكما يوجد على فعل الطاعات ثواب كثير وأجر جزيل ، يوجد مثل ذلك على ترك المحرمات واجتناب المحظورات.
ويعقد ابن القيم في كتابه «مدارج السالكين» رابطة بين فضيلة المعرفة بالله وتعظيمه في القلب ـ وتعظيم الله يستتبع تعظيم شعائر الله وحرماته فيقول : «ومن منازل «اياك نعبد واياك نستعين» منزلة التعظيم ، وهذه المنزلة تابعة للمعرفة ، فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب ، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيما واجلالا ، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته ، ولا عرفه حق معرفته ، ولا وصفه حق صفته. وأقوالهم تدور على هذا ، فقال تعالى : «ما لكم لا ترجون لله وقارا». قال ابن عباس ومجاهد : لا ترجون لله عظمة. وقال سعيد بن جبير : ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته؟. وقال الكلبي : لا تخافون لله عظمة.
قال البغوي : والرجاء بمعنى المخوف ، والوقار العظمة ، اسم من التوقير ، وهو التعظيم. وقال الحسن : لا تعرفون لله حقا ، ولا تشكرون