عليه الزبيدي بالطائف في سنة ١١٦٦ ه. رضوان الله على الجميع.
* * *
وللصوفية في التبتل حديث طويل فيه تشقيق وتنميق. والهروي ـ من أعلامهم ـ يعد «التبتل» من منازل «اياك نعبد واياك نستعين» التي تتوالى فيها مدارج السالكين ، ويعرفه بقوله : «التبتل الانقطاع الى الله بالكلية». ويستشهد بقوله تعالى : «له دعوة الحق». ويذكر أن التبتل يفيد : التجريد المحض المفهوم من هذا النص الالهي.
ويعلق ابن القيم على هذا بقوله :
«ومراده بالتجريد المحض : التبتل عن ملاحظة الاعواض ، بحيث لا يكون المتبتل كالاجير الذي لا يخدم الا لاجل الاجرة ، فاذا اخذها انصرف عن المستأجر ، بخلاف العبد ، فانه يخدم بمقتضى عبوديته ، لا للاجرة ، فهو لا ينصرف عن باب سيده الا اذا كان آبقا ، والابق قد خرج من شرف العبودية ، ولم يحصل له اطلاق الحرية ، فصار بذلك مركوسا عند سيده وعند عبيده ، وغاية شرف النفس دخولها تحت رق العبودية طوعا واختيارا. ومحبة ، لا كرها وقهرا ، كما قيل :
شرف النفوس دخولها في رقّهم |
|
والعبد يحوي الفخر بالتمليك |
والذي حسّن استشهاده بقوله «له دعوة الحق» في هذا الموضع : ارادة هذا المعنى ، وأنه تعالى صاحب دعوة الحق لذاته وصفاته ، وان لم يوجب لداعيه بها ثوابا ، فانه يستحقها لذاته ، فهو أهل أن يعبد وحده ، ويدعى وحده ، ويقصد وحده ويشكر ويحمد ، ويحب ويرجى ويخاف ، ويتوكل عليه ، ويستعان به ، ويستجار به ، ويلجأ اليه ، ويصمد اليه ، فتكون الدعوة الالهية الحق له وحده.
ومن قام بقلبه هذا ـ معرفة وذوقا وحالا ـ صح له مقام التبتل