وأجاب ابن قيم الجوزية في «مدارج السالكين» على هذا الاستفسار بهذه العبارة :
«مصدر «بتّل» «تبتلا» كالتعلم والتفهم ، ولكن جاء على التفعيل ـ مصدر تفعل ـ لسر لطيف ، فان في هذا الفعل ايذانا بالتدرج والتكلف والتعمل والتكثر والمبالغة ، فأدى بالفعل الدال على أحدهما ، وبالمصدر الدال على الآخر ، فكأنه قيل : بتّل نفسك الى الله تبتيلا ، وتبتل اليه تبتلا ، ففهم المعنيان من الفعل ومصدره ، وهذا كثير في القرآن ، وهو من أحسن الاختصار والايجاز».
* * *
وقد سميت مريم الطاهرة العذراء بالبتول ، لانقطاعها عن الازواج ، أو لتركها التزويج ، أو عن أن يكون لها نظراء من نساء زمانها ، ففاقت نساء الزمان شرفا وفضلا ، وقطعت منهن لأنها تفوقهن ، متميزة عليهن ، وهذا ما يذكرنا بقول الحق جل جلاله في سورة آل عمران : «واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين».
وكذلك فاطمة الطاهرة بنت سيد المرسلين محمد عليه الصلاة والسّلام ورضي الله عنها وعن ذريتها ـ سميت بالبتول ، وعلل الزبيدي ذلك بقوله في «تاج العروس» : لقبت بالبتول تشبيها بمريم في المنزلة عند الله تعالى ، أو لانقطاعها عن نساء زمانها ، وعن نساء الأمة فضلا ودينا ، وحسبا وعفافا ، وهي سيدة نساء العالمين ، وأم أولاده صلىاللهعليهوسلم ، ورضي الله عنها وعنهم.
ثم يضيف الزبيدي أن العلماء قد أفردوا في الاحاديث الواردة في فضلها كتابا مستقلا ، منهم شيخ الزبيدي العارف بالله تعالى السيد عبد الله ابن ابراهيم بن حسن الحسيني الطائفي ، فانه ألّف في ذلك رسالة قرأها