ولو التفتنا الى الصوفية وهم يتحدثون بطريقتهم الخاصة واسلوبهم المتميز لوجدناهم يعطون الهجرة منزلة خاصة عالية ، فحين يتحدث القشيري عن قوله تبارك وتعالى «فآمن له لوط وقال اني مهاجر الى ربي» يصور معنى هذا بأسلوبه الخاص به وبطائفته فيقول : «لا تصح الهجرة الى الله الا بالتبري ـ بالكمال ـ بالقلب من غير الله ، والهجرة بالنفس يسيرة بالاضافة الى هجرة القلب وهي هجرة الخواص ، وهي الخروج من أوطان التفرقة الى ساحات الجمع ، والجمع بين التعريج في أوطان التفرقة والكون في مشاهد الجمع متناف.
ويحاول القشيري أن يشرح ذلك بطريقته فيذكر أن ما يكون كسبا للعبد وما يليق بأحوال البشرية فهو مزق ، وما يكون من قبل الحق من ابداء معان ، واسداء لطف واحسان ، فهو جمع ، فاثبات الخلق من باب التفرقة ، واثبات الحق من باب الجمع.
هكذا يقولون ويعبرون ، وهو أسلوب خاص بهم مقصور عليهم.
ويقول الله تعالى في سورة المزمل :
«وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً» (١).
قيل ان الهجر الجميل أن تعاشرهم بظاهرك وتباينهم بسرك وقلبك وقيل الهجر الجميل ما يكون لحق ربك لا لحظ نفسك. وفي تفسير «مفاتيح الغيب» : المعنى انك لما اتخذتني وكيلا كان عليك أن تصبر على ما يقولون ، وأن تفوض أمرهم اليّ ، فانني لما كنت وكيلا لك كنت أقدر على اصلاح أمرك منك لقيامك باصلاح أمور نفسك ... والانسان اما أن بكون مخالطا للناس أو مجانبا عنهم ، فان خالطهم فلا بد له من المصابرة
__________________
(١) سورة المزمل ، الآية ١٠.