يليق بالوجوه كلها : بالبدن واللسان والقلب. وقد جاء في كتاب «ظلال القرآن» ان الرسول صلىاللهعليهوسلم كان هاجرا للشرك ولموجبات العذاب حتى قبل النبوة ، فقد عافت فطرته السليمة ذلك الانحراف وهذا الركام من المعتقدات الشائهة ، وذلك الرجس من الاخلاق والعادات ، فلم يعرف عنه أنه شارك في شيء من خوض الجاهلية.
ولكن هذا التوجيه يعني المفاضلة واعلان التميز الذي لا صلح فيه ولا هوادة ، فهما طريقان مفترقان لا يلتقيان ، كما يعني التحرز من دنس هذا الرجز. وهذه هجرة أخلاقية كما هو واضح ، وقيل ان الرجز هو المعاصي أو الشيطان. ويقال ان المعنى هنا هو طهر قلبك من الخطايا واشغال الدنيا. وقد قيل من لا يصح جسمه لا يجد شهوة الطعام ، وكذلك من لا يصح قلبه لا يجد حلاوة الطاعة.
ومن شواهد الهجرة الاخلاقية قول الله تبارك وتعالى :
«فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (١).
ونعود الى «ظلال القرآن» لنجده يتلبث أمام هذه الآية ليقول : «ونقف أمام قولة لوط : «اني مهاجر الى ربي» لنرى فيم هاجر. انه لم يهاجر للنجاة ، ولم يهاجر الى أرض أو كسب أو تجارة. انما هاجر الى ربه ، هاجر متقربا له ملتجئا الى حماه ، هاجر اليه بقلبه وعقيدته قبل أن يهاجر بلحمه ودمه. هاجر اليه ليخلص له عبادته ويخلص له قلبه ، ويخلص له كيانه كله في مهجره ، بعيدا عن موطن الكفر والضلال ، بعد أن لم يبق
__________________
(١) سورة العنكبوت ، الآية ٢٦.