غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً» (١).
يذكر «تفسير المنار» ان القوامين بالقسط هم الذين يقيمون العدل بالاتيان به على أكمل الوجوه وأدومها ، وذلك لأن القوام هو المبالغ في القيام بالشيء ، والقيام بالشيء هو الاتيان به مستويا تاما بلا نقص ولا عوج ، ومن بنى جدارا لا يقال انه أقامه مهما أطاله. والقرآن يقول :
«فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ» (٢).
وانما احتاج الجدار الى الاقامة لأنه كان مائلا متداعيا للسقوط.
وكونوا قوامين بالقسط : أي لتكن المبالغة والعناية باقامة القسط على وجهه صفة من صفاتكم ، بأن تتحروه بالدقة التامة ، حتى يكون ملكة راسخة في نفوسكم. والقسط يكون في العمل كالقيام بما يجب من العدل بين الزوجات والاولاد ، ويكون في الحكم بين الناس ممن يوليه السلطان ، أو يحكمه الناس فيما بينهم.
وكان ينبغي ـ كما يقول صاحب المنار ـ أن يكون المسلمون بمثل هذه الهداية أعدل الامم وأقومهم بالقسط ، وكذلك كانوا مهتدين بالقرآن ، وصدق على سلفهم قوله تعالى :
«وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» (٣).
ثم خلف من بعد أولئك السلف خلف نبذوا هداية القرآن وراء
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ١٣٤.
(٢) سورة الكهف ، الآية ٧٧.
(٣) سورة الاعراف ، الآية ١٨١.