أمّا
بعد ، فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ،
فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها ، وما نلت من دنياك
فلا تكثر به فرحا ، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا ، وليكن همّك فيما بعد الموت
، والسّلام.
ولمّا انتهت هذه
الرسالة الحافلة بالوعظ والإرشاد علّق عليها ابن عباس قائلا : ما اتّعظت بكلام قطّ
اتعاظي بكلام أمير المؤمنين عليهالسلام .
وعلى أي حال فإنّ
الذي أراه بمزيد من التأمّل أنّ اتّهام ابن عباس بالخيانة بعيد كلّ البعد عن سيرة
هذا العملاق الذي تربّى في مدرسة الإمام عليهالسلام ، وأخلص للإمام كأعظم ما يكون الإخلاص.
فقد تولّى بصلابة
مقاومة أعدائه ، والردّ عليهم بمنطقه الفيّاض وحججه الدامغة في حياة الإمام وبعد
وفاته ، وهو أوّل من دعا له على المنابر ، وقد حزن عليه كأشدّ ما يكون الحزن ، وبكاه أمرّ البكاء
حتى فقد بصره ، وكان يتوسّل إلى الله تعالى به ، ويجعله واسطة في قضاء
مهمّاته ، فكيف ينحرف عنه ، ويخون بيت المال!
وبالاضافة
إلى ذلك فإنّ الإمام كان يكبر ابن عباس ويبجّله وقال فيه :
«
لله درّ ابن عباس ، إن كان لينظر إلى الغيب من ستر رقيق » .
ومن الجدير بالذكر
أنّ هذه الشبهة تصدّى إلى إبطالها عمرو بن عبيد في
__________________