يا أمير المؤمنين ، إن تأذن لي في الكلام وتمطّ عني الغضب تكلّمت.
تكلّم.
أمّا قولك يا أمير المؤمنين : اختارت قريش فأصابت ووفّقت ، فلو أنّ قريشا اختارت لأنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ...
وأمّا قولك : إنّهم أبوا أن تكون لنا النبوّة والخلافة فإنّ الله عزّ وجلّ وصف قوما بالكراهة فقال : « ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ».
ومن الغريب جدّا أن يكون موضوع الخلافة ، وانتخاب الخليفة بيد قريش ، وهي التي حاربت النبيّ صلىاللهعليهوآله ولم تأل جهدا في مناجزته حتى فرّ النبيّ صلىاللهعليهوآله منهم في جنح الليل البهيم ، وترك أخاه وابن عمّه في فراشه ، ثمّ لاحقوا النبيّ في المدينة فجهّزوا الجيوش للقضاء عليه واستئصال دعوته فكانت واقعة بدر واحد وغيرهما ، وقد قاوموا النبيّ صلىاللهعليهوآله بجميع طاقاتهم ، ولمّا أعزّ الله تعالى رسوله ، ونصره النصر المبين فاحتلّ مكّة ، وعفا عنهم بلطفه وفضله ، وكان الأجدر بهم أن تضرب أعناقهم وتسبى نساؤهم كبقيّة المشركين ... إلاّ أنّ للنبوّة فيضا شاملا للأعداء وغيرهم وعلى أي حال فلا علاقة لقريش في الإسلام مطلقا ، وإنّما أمر الخلافة بيد الاسرة النبوية والأنصار الذين نصروا الإسلام في أيام غربته ومحنته.
ومهما يكن الأمر فإنّ عمر قد ثقل عليه كلام ابن عباس فقال له :
هيهات والله يا ابن عباس! قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرّك عليها فتزيل منزلتك منّي.
وبادر ابن عبّاس قائلا :
ما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن كانت حقّا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه.