فعلى ضوء ذلك يجب أن يكون القرآن مفهوماً ومعلوماً من بدئه إلى ختمه على ضوء الأُصول التي ذكرناها عند البحث عن مؤهلات المفسر ، ومنه الآيات المتشابهة فقد أنزلت للهداية والتذكرة فلا معنى لأن يستأثر الله بعض آياته على العباد ، وعلى ضوء ذلك لم نجد أحداً من علماء الأُمّة يتوقف في تفسير الآية بذريعة انّ الآية متشابهة ، بل ظل يتفحّص عن القرائن الرافعة للشبه حولها ، وقد أيّد هذا المعنى فريق من العلماء.
قال الشيخ أبو علي الطبرسي : وممّا يؤيد هذا القول ـ أي انّ الراسخين يعلمون التأويل ـ انّ الصحابة والتابعين أجمعوا على تفسير جميع آي القرآن ولم نرهم توقفوا على شيء منه لم يفسروه بأن قالوا : هذا متشابه لا يعلمه إلّا الله. (١)
وقال الإمام بدر الدين الزركشي : انّ الله لم ينزل شيئاً من القرآن إلّا لينتفع به عباده ، ويدلّ به على معنى أراده ـ إلى أن قال : ـ ولا يسوغ لأحد أن يقول : انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يعلم المتشابه ، فإذا جاز أن يعرفه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مع قوله : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته ، والمفسرون من أُمّته.
ألا ترى أنّ ابن عباس كان يقول : أنا من الراسخين في العلم. ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ من المتشابه إلّا أن يقولوا « آمنا » لم يكن لهم فضل على الجاهل ، لأنّ الكلّ قائلون ذلك. قال : ونحن لم نر المفسّرين إلى هذه الغاية توقّفوا عن شيء من القرآن ، فقالوا : هذا متشابه لا يعلم تأويله إلّا الله ، بل أمرّوه على التفسير حتّى فسروا الحروف المقطعة. (٢)
ثمّ إنّ في نفس الآية دلالة واضحة على أنّه معطوف على لفظ الجلالة وهو انّه سبحانه يصف هؤلاء بالرسوخ في العلم ومقتضى الرسوخ فيه العلم بالتأويل ،
______________________
١. مجمع البيان : ١ / ٤١٠. |
٢. البرهان : ٢ / ٧٢ ـ ٧٣. |