ومادة (ش ق ق) تأتي بمعنى الثقب والخرم ، ويلزمهما الفصل والتجزئة. وهي تستعمل في القرآن كثيرا ، قال تعالى : (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) [سورة عبس ، الآية : ٢٦] ، وقال تعالى : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [سورة الحج ، الآية : ٣٥] ، وقال تعالى : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) [سورة ص ، الآية : ٢].
وللشقاق مراتب كثيرة بالنسبة إلى الأصول والفروع والأخلاق ، والشقاق بالنسبة إلى الله ورسله بمعنى الكفر والضلالة ؛ فالكافر في شق والمؤمن في شق ، والمصلي في شق وتارك الصلاة في شق آخر ، والعادل في شق والفاسق في شق آخر وهكذا. فكل شيء وغيره يمكن أن يكونا من شقين ولو كانا من صنف واحد في الجملة. وفي أحاديث آخر الزمان : «لا بد من فتنة يسقط فيها الحاذق الذي يشق الشعرة شعرتين». أي بحذاقته وفكره.
قوله تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). كفى يأتي بمعنى سدّ الخلة وبلوغ المراد في الأمر ، قال تعالى : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٢٥] ، وقال تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [سورة الحجر ، الآية : ٩٥] وغير ذلك من الاستعمالات القرآنية التي يأتي التعرض لها. فهو السميع لأقوالهم ، العليم بأعمالهم وما في ضمائرهم وما يقدّره على عباده وما ينفذه فيهم ، فهو الكافي من كل شيء ولا يكفي منه شيء.
والآية الشريفة من البرهان العقلي الذي قرره القرآن الكريم ، بأن يقال : الإيمان بالأنبياء والرسل سبب للهداية فكل من كان على إيمانهم فهو مهتد ، فاليهود والنصارى إن كانوا على إيمانهم فهم مهتدون ، ثم نقول إنهم ليسوا على إيمان الأنبياء والرسل وكل من كان كذلك فهو في شقاق مع الله ورسله ، فاليهود والنصارى في شقاق مع الله ورسله وكذا كل من يكون مثلهما في المخالفة الاعتقادية أو العملية مع الله ورسله ، هذا بالنسبة إلى أصل ثبوت الموضوع. وأما الأثر المترتب عليه فهو أنّ الله تعالى يكفي أنبياءه ورسله والمؤمنين بهم من كيد أهل الشقاق ونفاقهم ، كما يقتضيه نظام التكوين والتشريع.