وفيه : أن الآية المباركة أعم من حدوث الوحي وإبقائه ومناط النبوة هو الأول دون الثاني ، فيكون من حفظ الوحي غير من أنزل الوحي عليه ابتداء ، كما ستعرف قريبا. وفي بعض الأحاديث : «إن الله تعالى جعل النبوة في ولد بنيامين ونزعها من ولد يوسف» وعن أبي جعفر (عليهالسلام) نفي كون الأسباط أنبياء ؛ ولكنهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ، ولم يكونوا فارقوا الدنيا إلّا سعداء.
ومن ذلك يظهر الوجه في قول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» أي في جهة حفظ الدين والوحي المبين فان العلماء أمناء الله تعالى في أرضه ما لم يميلوا إلى الدنيا.
وهذه الآية المباركة دعوة عقلية إلى نبذ الاختلاف والعصبية والأهواء ، وهي تدعو الناس إلى الوحدة والاتحاد بين جميع أفراد البشر في المبدأ والتشريع والمعاد ، والترغيب إلى الإيمان بأصل الدين الذي لا خلاف فيه بين جميع أنبياء الله تعالى. فكما أن البشر متحدون في أصل التكوين الإلهي كذلك لا بد وان يكون بينهم اتحاد في نظام التشريع الربوبي. والاختلاف إنما ينشأ من المصالح الزمنية ، وما يقتضيه السير التكاملي في الإنسان ، كما أنه يختلف حفّاظ الوحي باختلاف العصور والقرون.
والمراد بقوله تعالى : (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) القرآن وجميع المعارف والتشريعات الإلهية التي أتى بها نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) وباعتبار النزول عليه وعلى سائر الأنبياء صدق النزول علينا أيضا.
كما أن المراد بقوله تعالى : (وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ) الصحف التي أنزلت عليه وملته الحنفية المقدسة التي أمر النبي (صلىاللهعليهوآله) باتباعها.
وإنّ المراد بما أنزل على إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ذلك أيضا ، لأنهم الحفظة للملة الحنيفية علما وعملا وبيانا ، وإلّا لم يعهد نزول كتاب عليهم كما أن علماء أمة محمد (صلىاللهعليهوآله) كذلك ، كما