المفهوم الأخلاقي في القرآن :
إنّ الطابع العام الأخلاقي الذي يستمد من القرآن الكريم يختلف كثيرا عما ذكرناه في المذاهب الأخلاقية المختلفة ، سواء من الناحيتين النظرية والعملية فهو يحل جميع المشكلات الخلقية ويضع كل شيء في موضعه المعين ، ويربط بين الفضل والفضيلة ، فطالما يكون المرء فاضلا ولا يعرف الفضيلة ، ولذا ترى أنّ المفهوم الأخلاقي في القرآن الكريم لا يقتصر على الحاجة العقلية فقط ؛ بل إنّ الجانب النظري والعملي كل واحد منهما مكمل للآخر وتكون لهما وحدة خاصة تشبع الحاسة الأخلاقية التي أودعها الله تعالى في الإنسان.
كما أنّ المفهوم الأخلاقي فيه يمتاز عن غيره في انه يشتمل على روح التوفيق بين سائر النزعات الأخلاقية ، ويلبي جميع المطالب للإنسان ، فهو ينظر إلى الفرد كما ينظر إلى المجتمع ، ويعطي لكل واحد منهما حقه ، ولهذه النزعة الأخلاقية خصائص يمكن تلخيصها في ما يلي :
خصائص الأخلاق في القرآن :
الأولى : إنّ في الإنسان انبعاثا داخليا فطريا إلى الأخلاق يساير جميع مراحله يمكن التعبير عنه به (الحاسة الأخلاقية) التي يميز بها بين الخير والشر ، كما يميز بالحاسة الجمالية المودعة فيه بين الجميل والقبيح ، قال تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [سورة الشمس ، الآية : ٨]. ومن هذه الحاسة الخلقية نستطيع أن نؤسس القواعد الخلقية والقانون الأخلاقي العام.
ولكن قد يلقى هذا النور الباطني الفطري موانع توجب طمسه ، وهي كثيرة مثل العادات ، والوراثة ، والبيئة ، وشواغل الحياة المادية بل إنّ نفس القواعد الخلقية الفطرية لم تكن كافية في إرضاء الجميع بحيث تكون قاعدة عامة تجلب رضاء الكل ، ولهذا كان لا بد من بعث الأنبياء ذوي النفوس المصطفاة الملهمة بالوحي ليثيروا للنّاس دفائن العقول ، ويزيلوا الغشاوة عن النور الفطري ويكملوا ما كانوا يحتاجون اليه في إكمالهم ، فكان نور الوحي