فأما ما يحكى عن أبي داود السجستاني (١) من إنكاره له وعن الجاحظ (٢) من طعنه في كتاب العثمانية فيه فليس بقادح في الإجماع الحاصل على صحته لأن القول الشاذ لو أثر في الإجماع وكذلك الرأي المستحدث لو أبطل مقدم الاتفاق لم يصح الاحتجاج بالإجماع ولا يثبت التعويل على اتفاق.
على أن السجستاني قد تنصل من نفي الخبر.
فأما الجاحظ فطريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة وأقواله المتضادة المتناقضة وتأليفاته القبيحة في اللعب والخلاعة وأنواع السخف والمجانة الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة يمنع من الالتفات إلى ما يحكيه وتوجب التهمة له فيما ينفرد به ويأتيه.
وأما الخوارج الذين هم أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين عليهم السلام فليس يحكي عنهم صادق دفعا للخبر.
والظاهر من حالهم حملهم له على وجه من التفضيل ولم يزل القوم يقرون لأمير المؤمنين عليهم السلام بالفضائل ويسلمون له المناقب وقد كانوا أنصاره وبعض أعوانه.
وإنما دخلت الشبهة عليهم بعد الحكمين فزعموا أنه خرج عن جميع ما كان يستحقه من الفضائل بالتحكيم وقد قال شاعرهم :
كان علي قبل تحكيمه |
|
جلدة بين العين والحاجب |
ولو لم يكن الخبر كالشمس وضوحا لم يحتج به أمير المؤمنين عليهم السلام يوم الشورى حيث قال للقوم في ذلك المقام.
أنشدكم الله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري؟
__________________
(١) هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستانيّ أحد حفاظ أهل السنة صاحب كتاب السنن المشهور ، سكن البصرة وتوفي بها سنة (٢٧٥ ه).
(٢) أبو عثمان عمر وبن بحر بن محبوب الجاحظ الليثي البصري الأديب المعتزلي المعروف مات بالبصرة سنة (٢٥٥ ه) ، له مؤلّفات كثيرة منها : البيان والتبيين.