لمصالح الأنفس والأجسام كان المستحق على الكفر به وجحده إحسانه ونعمه هو غاية الآلام وغايتها هو الخلود في النار.
فقال رجل ينتمي إلى الفقه كان حاضرا :
قد أجاب صاحبنا الشافعي عن هذه المسألة بجوابين هما أجلى وأبين مما ذكرت.
قال له السائل وما هما؟
قال أما أحدهما فهو أن الله سبحانه كما ينعم في القيامة على من وقعت منه الطاعة في مدة متناهية بنعيم لا آخر له ولا غاية وجب قياسا على ذلك أن يعذب من وقعت منه المعصية في زمان محصور متناه.
بعذاب دائم غير منقض ولا متناه. قال والجواب الآخر أنه خلد الكفار في النار لعلمه أنهم لو بقوا أبدا لكانوا كفارا.
فاستحسن السائل هذين الجوابين منه استحسانا مفرطا أما لمغايظتي بذلك أو لمطابقتهما ركالة فهمه.
فقال صاحب المجلس ما تقول في هذين الجوابين؟
فقلت اعفني من الكلام فقد مضى في هذه المسألة ما فيه كفاية.
فأقسم علي وناشدني.
فقلت إن المعهود من الشافعي والمحفوظ منه كلامه في الفقه وقياسه في الشرع.
أما أصول العبادات والكلام في العقليات فلم تكن من صناعته.
ولو كانت له في ذلك بضاعة لاشتهرت إذ لم يكن خامل الذكر.
فمن نسب إليه الكلام فيما لا يعلمه على طريق القياس والجواب فقد سبه من حيث إن فساد هذين الجوابين لا يكاد يخفى عمن له أدنى تحصيل.
أما الأول منهما وهو مماثلته بين إدامة الثواب والعقاب فإنه خطأ في العقل والقياس وذلك أن مبتدي النعم المتصلة في تقدير زمان أكثر من زمان