إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير البغوي [ ج ٢ ]

34/520
*

(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢))

قوله تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ، اختلفوا في الأرض المقدسة ، قال مجاهد : هي الطور وما حوله ، وقال الضحاك : إيليا وبيت المقدس ، وقال عكرمة والسدي : هي أريحا ، وقال الكلبي : هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن ، وقال قتادة : هي الشام كلها ، قال كعب : وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله في أرضه وبها أكثر عباده. قوله عزوجل : (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ، يعني : كتب في اللوح المحفوظ أنها لكم مساكن ، وقال ابن إسحاق : وهب الله لكم ، وقيل : جعلها لكم ، وقال السدي : أمركم الله بدخولها ، وقال قتادة : أمروا بها كما أمروا بالصلاة ، أي : فرض عليكم. (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) ، أعقابكم بخلاف أمر الله ، (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) ، قال الكلبي : صعد إبراهيم عليه‌السلام جبل لبنان فقيل له : انظر ما أدركه بصرك فهو مقدّس وهو ميراث لذريّتك.

(قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) ، وذلك أن النقباء الذين خرجوا يتجسّسون الأخبار لمّا رجعوا إلى موسى وأخبروه بما عاينوا ، قال لهم موسى : اكتموا شأنهم ولا تخبروا به أحدا من أهل العسكر فيفشلوا ، فأخبر كل رجل منهم قريبه وابن عمه إلا رجلان وفيا بما قال لهم موسى ، أحدهما يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف عليهم‌السلام فتى موسى ، والآخر كالب بن يوفنا ختن موسى عليه‌السلام على أخته مريم بنت عمران ، وكان من سبط يهودا وهما النقباء فعلمت جماعة من بني إسرائيل ذلك ورفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا : يا ليتنا (١) في أرض مصر ، أو ليتنا نموت في هذه البرية ولا يدخلنا الله أرضهم فتكون نساؤنا وأولادنا وأثقالنا غنيمة لهم ، وجعل الرجل يقول لصاحبه : تعالى نجعل علينا رأسا وننصرف إلى مصر ، فذلك قوله تعالى إخبارا عنهم : (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢)) ، وأصل الجبار : المتعظّم الممتنع عن القهر ، يقال : نخلة جبارة إذا كانت طويلة ممتنعة عن وصول الأيدي إليها ، وسمّي أولئك القوم جبارين لامتناعهم بطولهم وقوة أجسادهم ، وكانوا من العمالقة وبقية قوم عاد ، فلما قال بنو إسرائيل ما قالوا وهمّوا بالانصراف إلى مصر خرّ موسى وهارون [عليهما‌السلام](٢) ساجدين ، وخرق يوشع وكالب ثيابهما وهما اللذان أخبر الله تعالى عنهما في قوله :

(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٦))

(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) ، أي : يخافون الله تعالى ، قرأ سعيد بن جبير (يَخافُونَ) بضمّ الياء ، وقال : الرجلان كانا من الجبارين فأسلما واتّبعا موسى ، (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) بالتوفيق والعصمة ، قالا : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) ، يعني : قرية الجبارين ، (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) ، لأن الله منجز

__________________

(١) زيد في المخطوط «متنا».

(٢) زيادة عن المخطوط.