إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير البغوي [ ج ٢ ]

154/520
*

تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ، من الشاكّين أنهم يعلمون ذلك.

قوله عزوجل : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) ، قرأ أهل الكوفة ويعقوب (كَلِمَةُ) على التوحيد ، وقرأ الآخرون (كلمات) بالجمع ، وأراد بالكلمات أمره ونهيه ووعده ووعيده ، (صِدْقاً وَعَدْلاً) ، أي : صدقا في الوعد والوعيد ، وعدلا في الأمر والنهي ، قال قتادة ومقاتل : صادقا فيما وعد وعدلا فيما حكم. (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) ، قال ابن عباس : لا رادّ لقضائه ولا مغيّر لحكمه ولا خلف لوعده ، (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، [و](١) قيل : المراد (٢) بالكلمات القرآن لا مبدّل له ، لا يزيد فيه المفترون ولا ينقصون.

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، عن دين الله ، وذلك أن أكثر أهل الأرض كانوا على الضلالة ، وقيل : أراد أنهم جادلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين في أكل الميتة ، وقالوا : أتأكلون ما تقتلون ولا تأكلون ما قتله الله عزوجل؟ فقال : وإن تطع أكثر من في الأرض ، أي : وإن تطعهم في أكل الميتة يضلّوك عن سبيل الله ، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) ، يريد أن دينهم الذي هم عليه ظنّ وهوى لم يأخذوه عن بصيرة ، (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ، يكذّبون.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) ، قيل : موضع من نصب بنزع حرف الصفة ، أي : بمن يضل ، وقال الزجاج : موضعه رفع بالابتداء ، ولفظها لفظ الاستفهام ، والمعنى : إنّ ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله ، (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، أخبر أنه أعلم بالفريقين الضالّين والمهتدين فيجازي كلّا بما يستحقون.

(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠))

قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، أي : كلوا مما ذبح على اسم الله ، (إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) ، وذلك أنهم كانوا يحرّمون أصنافا من النّعم ويحلّون الأموات ، فقيل لهم : أحلّوا ما أحلّ الله وحرّموا ما حرّم الله.

ثم قال : (وَما لَكُمْ) ، يعني : أي شيء لكم ، (أَلَّا تَأْكُلُوا) ، [وما يمنعكم من أن تأكلوا](٣) ، (مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، من الذبائح ، (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) ، قرأ أهل المدينة ويعقوب وحفص (فَصَّلَ) و (حَرَّمَ) بالفتح فيهما ، أي : فصّل الله ما حرّمه عليكم ؛ لقوله : (اسْمُ اللهِ) ، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو عمرو بضم الفاء والحاء وكسر الصاد والراء على غير تسمية الفاعل ؛ لقوله : (ذُكِرَ) وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر (فَصَّلَ) بالفتح و (حَرَّمَ) بالضم ، وأراد بتفصيل المحرمات ما ذكر في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) [المائدة : ٣]. (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ، من هذه الأشياء فإنه حلال لكم عند الاضطرار ، (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ) ، قرأ أهل الكوفة بضم الياء وكذلك قوله : (لِيُضِلُّوا) [يونس : ٨٨] في سورة يونس ؛ لقوله تعالى : (يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، وقيل : أراد به عمرو بن لحي فمن دونه من المشركين الذين اتّخذوا البحائر والسوائب ، وقرأ الآخرون بالفتح لقوله : (مَنْ

__________________

(١) زيادة عن المخطوطتين.

(٢) في المطبوع «أراد».

(٣) سقط من ب.