(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) ، أي : خسروا أنفسهم بتكذيبهم المصير إلى الله وبالبعث بعد الموت ، (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ) ، أي : القيامة (بَغْتَةً) ، أي : فجأة ، (قالُوا يا حَسْرَتَنا) ، ندامتنا ، ذكر على وجه النداء للمبالغة ، قال سيبويه : كأنه يقول : أيتها الحسرة هذا أوانك ، (عَلى ما فَرَّطْنا) ، أي : قصّرنا ، (فِيها) ، أي : في الطاعة ، وقيل : تركنا في الدنيا من عمل الآخرة ، وقال محمد بن جرير : الهاء راجعة إلى الصفقة ، وذلك أنه لمّا تبيّن لهم خسران صفقتهم ببيعهم (١) الآخرة بالدنيا (قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) ، أي : في الصفقة ، فترك ذكر الصفقة اكتفاء بقوله : (قَدْ خَسِرَ) ، لأن الخسران إنما يكون في صفقة بيع ، والحسرة شدّة الندم ، حتى يتحسر (٢) النادم ، كما يتحسر (٢) الذي تقوم به دابته في السفر البعيد ، (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ) ، أثقالهم وآثامهم ، (عَلى ظُهُورِهِمْ).
قال السدي وغيره : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبه ريحا ، فيقول : هل تعرفني؟ فيقول : لا ، فيقول : أنا عملك الصالح فاركبني ، فقد طالما ركبتك في الدنيا ، فذلك قوله عزوجل : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥)) [مريم : ٨٥] ، أي : ركبانا ، وأمّا الكافر فيستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا ، فيقول : هل تعرفني؟ فيقول : أنا عملك الخبيث طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك (١) ، فهو معنى قوله : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) ، (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) ، يحملون ، قال ابن عباس : أي بئس الحمل حملوا.
(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ، باطل وغرور لا بقاء [لها](٣) ، (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) ، قرأ ابن عامر ولدار الآخرة مضافا أضاف الدار إلى الآخرة ، ويضاف الشيء إلى نفسه عند اختلاف اللفظين ؛ كقوله : (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [ق : ١٠] ، وقولهم : ربيع الأول ، ومسجد الجامع ، سمّيت الدنيا لدنوّها ، وقيل : لدناءتها ، وسمّيت الآخرة لأنها بعد الدنيا ، (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الشرك ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ، أي : أن الآخرة أفضل من الدنيا ، قرأ أهل المدينة وابن عامر ويعقوب (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ، بالتاء هاهنا وفي الأعراف وسورة يوسف ويس (٢) ، وافق أبو بكر في سورة يوسف ، ووافق حفص إلا في سورة يس ، وقرأ الآخرون بالياء فيهن.
قوله عزوجل : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ).
قال السدي : التقى الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام ، فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد بن عبد الله أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيري ، فقال أبو جهل : والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فما ذا يكون لسائر قريش ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية (٣).
__________________
(١) أخرجه الطبري ١٣١٩٠ عن عمرو بن قيس الملائي قوله بهذا اللفظ ١٣١٩١ عن السدي بنحوه من قوله ، وقد ورد مرفوعا بنحو هذا السياق ، وسيأتي.
(٢) الأعراف آية : ١٦٩ ، يوسف آية : ١٠٩ ، يس آية : ٦٢.
(٣) أخرجه الطبري ١٣١٩٦ عن السدي مرسلا.
__________________
(١) في المطبوع «ببيعها».
(٢) في المطبوع «يحسر» وفي المخطوطتين «يخسر» والمثبت عن ط.
(٣) سقط من المطبوع.