ومن لم ينبت لم يقتل ، فكنت ممن لم ينبت.
وهل يكون ذلك (١) بلوغا في أولاد المسلمين؟ فيه قولان ، أحدهما : يكون بلوغا كما في أولاد الكفار ، والثاني : لا يكون بلوغا لأنه يمكن الوقوف على مواليد المسلمين بالرجوع إلى آبائهم ، وفي الكفار لا يوقف على مواليدهم ، ولا يقبل قول آبائهم فيه لكفرهم ، فجعل الإنبات الذي هو أمارة البلوغ بلوغا في حقهم ، [و] أما ما يختص بالنساء فالحيض والحبل ، فإذا حاضت المرأة بعد استكمال تسع سنين يحكم ببلوغها ، وكذلك إذا ولدت يحكم ببلوغها قبل الوضع بستة أشهر لأنها أقل مدة الحمل ، وأمّا الرشد : فهو أن يكون مصلحا في دينه وماله ، والصلاح في الدين هو أن يكون مجتنبا عن الفواحش والمعاصي التي تسقط العدالة ، والصلاح في المال هو أن لا يكون مبذرا ، والتبذير : هو أن ينفق ماله فيما لا يكون فيه محمدة دنيويّة ولا مثوبة أخرويّة ، أو لا يحسن التصرف فيها ، فيغبن في البيوع فإذا بلغ الصبي وهو مفسد في دينه وغير مصلح لماله ، دام الحجر عليه ، ولا يدفع إليه ماله (٢) ولا ينفذ تصرفه ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا كان مصلحا لماله زال الحجر عنه وإن كان مفسدا في دينه ، وإذا كان مفسدا لماله قال : لا يدفع إليه المال حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة ، غير أن تصرّفه يكون نافذا قبله ، والقرآن حجة لمن استدام الحجر عليه ، لأنّ الله تعالى قال : (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) ، أمر بدفع المال إليهم بعد البلوغ وإيناس الرشد ، والفاسق لا يكون رشيدا وبعد بلوغه خمسا وعشرين سنة وهو مفسد لماله بالاتفاق (٣) غير رشيد ، فوجب أن لا يجوز دفع المال إليه كما قبل بلوغ هذا السن ، وإذا بلغ وأونس منه الرشد زال الحجر عنه ، ودفع إليه المال رجلا كان أو امرأة تزوج أو لم يتزوج ، وعند مالك رحمهالله تعالى : إن كانت امرأة لا يدفع المال إليها ما لم تتزوج ، فإذا تزوجت دفع إليها ، ولكن لا ينفذ تصرفها إلا بإذن الزوج ، ما لم تكبر وتجرّب ، وإذا بلغ الصبي رشيدا وزال الحجر عنه ثم عاد سفيها نظر فإن عاد مبذرا لماله حجر عليه ، وإن عاد مفسدا في دينه فعلى وجهين ، أحدهما : يعاد الحجر عليه كما يستدام الحجر عليه إذا بلغ بهذه الصفة ، والثاني : لا يعاد لأن حكم الدوام أقوى من حكم الابتداء ، وعند أبي حنيفة رحمهالله تعالى : لا حجر على الحرّ العاقل البالغ بحال ، والدليل على إثبات الحجر من اتفاق الصحابة رضي الله عنهم ، ما روي عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن جعفر ابتاع أرضا سبخة بستين ألف درهم ، فقال عليّ : لآتينّ عثمان فلأحجرنّ عليك فأتى ابن جعفر الزبير فأعلمه بذلك [فقال الزبير : أنا شريكك في بيعك فأتى علي عثمان وقال احجر على هذا](٤) فقال الزبير : أنا شريكه ، فقال عثمان : كيف أحجر على رجل في بيع شريكه فيه الزبير ، فكان ذلك اتفاقا منهم على جواز الحجر حتى (٥) احتال الزبير في دفعه. قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوها) ، يا معشر الأولياء (إِسْرافاً) ، بغير حق ، (وَبِداراً) أي : مبادرة ، (أَنْ يَكْبَرُوا) و (أَنْ) في محل نصب ، يعني : لا تبادروا كبرهم ورشدهم حذرا من أن يبلغوا فيلزمكم تسليمها إليهم ، ثم بيّن ما يحل لهم ومن مالهم فقال : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) ، أي : ليمتنع من مال اليتيم فلا يرزؤه قليلا ولا كثيرا ، والعفة الامتناع مما لا يحل ، (وَمَنْ كانَ فَقِيراً) محتاجا إلى مال اليتيم وهو يحفظه ويتعهده ، (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).
__________________
(١) تصحف في المطبوع «لذلك».
(٢) في المطبوع «المال».
(٣) في المخطوط وحده «بالإنفاق».
(٤) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٥) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «حين».