ع [٣٠١] قال الكلبي : نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما ، جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم صدقة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله كان عندي ثمانية آلاف فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف درهم وأربعة آلاف أقرضتها ربّي ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بارك الله فيما أمسكت لك ، وفيما أعطيت» ، وأما عثمان فجهّز جيش المسلمين في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلاسها فنزلت فيهما هذه الآية.
ع [٣٠٢] وقال عبد الرحمن بن سمرة : جاء عثمان رضي الله عنه بألف دينار في جيش العسرة فصبّها في حجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرأيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم يدخل فيها يده ويقلبها ويقول : «ما ضرّ ابن عفان ما عمل بعد اليوم» ، فأنزل الله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : في طاعة الله ، (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا) ، وهو أن يمنّ عليه بعطائه (١) ، فيقول : أعطيتك كذا ، ويعدّ نعمه عليه فيكدرها (٢)(وَلا أَذىً) ، [الأذى](٣) : هو أن يعيّره ، فيقول : إلى كم تسأل وكم تؤذيني [بسؤالك لي](٤)؟
وقيل : من الأذى (٥) : أن يذكر إنفاقه عليه عند من لا يحبّ وقوفه عليه ، وقال سفيان : (مَنًّا وَلا أَذىً) ، هو : أن يقول : قد أعطيتك [وأعطيت](٦) فما شكرت. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان أبي يقول : إذا أعطيت رجلا شيئا ورأيت أنّ سلامك يثقل عليه فكفّ سلامك عنه ، فحظّر الله على عباده المنّ بالصنيعة ، واختصّ به صفة لنفسه ، لأنه من العباد تعيير وتكدير ، ومن الله إفضال وتذكير ، (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ، أي : ثوابهم ، (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤))
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ، أي : كلام حسن وردّ على السائل جميل ، وقيل : عدة حسنة ، وقال الكلبي : دعاء صالح يدعو لأخيه [به](٧) بظهر الغيب ، وقال الضحاك : نزلت في إصلاح ذات البين ، (وَمَغْفِرَةٌ) ، أي : تستر عليه خلته ولا تهتك عليه ستره ، وقال الكلبي والضحّاك : يتجاوز عن ظالمه ، وقيل : يتجاوز عن الفقير إذا استطال عليه عند ردّه ، (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ) يدفعها إليه ، (يَتْبَعُها أَذىً) ، أي : منّ وتعبير للسائل أو قول يؤذيه ، (وَاللهُ غَنِيٌ) ، أي : مستغن عن صدقة العباد ، (حَلِيمٌ) لا يعجّل بالعقوبة على
__________________
ع [٣٠١] ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ١٧٠ عن الكلبي بدون إسناد ، والكلبي ضعيف متروك ، وقد صح خبر عثمان في تجهيزه لجيش المسلمين في غزوة تبوك. انظر «سنن الترمذي» ٣٦٩٩ و «تاريخ المدينة» (٤ / ١١٩٥) لعمر بن شيبة ، والوهن فقط في ذكر نزول الآية.
ع [٣٠٢] ـ غريب كونه سبب نزول الآية ، ولم أقف عليه ، وهو بدون ذكر نزول الآية ، أخرجه الحاكم (٣ / ١٠٢) ح / ٤٥٥٣ من حديث عبد الرحمن بن سمرة ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، ورجاله كلهم ثقات ، وله شواهد.
__________________
(١) في المخطوط «من يعطي» بدل «بعطائه».
(٢) زيد في المطبوع «عليه».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيد في المطبوع و ـ ط «وهو».
(٦) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٧) زيادة عن المخطوط.