قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ، أي : فرض وأوجب [و] الصوم والصيام في اللغة : الإمساك ، يقال : صام النهار إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة ، لأن الشمس إذا بلغت كبد السماء كأنها وقفت وأمسكت عن السير سريعة ، ومنه قوله تعالى : (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) [مريم : ٢٦] ، أي : صمتا ، لأنه إمساك عن الكلام ، وفي الشريعة : الصوم وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع مع النّيّة في وقت مخصوص. (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) : من الأنبياء والأمم ، واختلفوا في هذا التشبيه ، قال سعيد بن جبير : كان صوم من قبلنا من العتمة إلى الليلة القابلة ، كما كان في ابتداء الإسلام ، وقال جماعة من أهل العلم : أراد أن صيام رمضان كان واجبا على النصارى ، كما فرض علينا ، فربّما كان يقع في الحرّ الشديد والبرد الشديد ، وكان يشق عليهم في أسفارهم ويضرّهم في معايشهم ، فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصّيف ، فجعلوه في الربيع وزادوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا ، فصار أربعين [يوما](١) ، ثم إن ملكا لهم (٢) اشتكى فمه ، فجعل لله عليه إن هو برئ من وجعه أن يزيد في صومهم أسبوعا فبرئ ، فزاد فيه أسبوعا ، ثم مات ذلك الملك ووليهم ملك آخر فقال : أتمّوه خمسين يوما (١) ، وقال مجاهد : أصابهم موتان فقالوا : زيدوا في صيامكم ، فزادوا فيه عشرا قبل وعشرا بعد ، قال الشعبي : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشكّ فيه ، فيقال من شعبان ، ويقال من رمضان ، وذلك أن النصارى فرض الله عليهم شهر رمضان فصاموا [قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما](٣) ، ثم لم يزل الآخر يستن بسنّة القرن الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما ، فذلك قوله تعالى : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، يعني : بالصوم ، لأن الصوم وصلة إلى التقوى ، لما فيه من قهر النفس وكسر [ها وترك](٤) الشهوات ، وقيل : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تحذرون [عن الشهوات من الأكل والشرب والجماع](٥).
(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤))
(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) ، قيل : كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجبا ، وصوم يوم عاشوراء ، فصاموا كذلك من الربيع إلى شهر رمضان سبعة عشر شهرا ، ثم نسخ بصوم رمضان ، قال ابن عباس : أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة والصوم ، ويقال : نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام ، قال محمد بن إسحاق : كانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة.
[١٣٦] حدثنا أبو الحسن الشيرزي أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو
__________________
(١) انظر «التاريخ الكبير» للبخاري ٢ / ١ / ٢٥٤ و «مجمع الزوائد» ٣ / ١٣٩ حديث دغفل بن حنظلة.
[١٣٦] ـ إسناده صحيح على شرطهما ، عروة هو ابن الزبير.
ـ وهو في «شرح السنة» ١٦٩٦ بهذا الإسناد.
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) في المخطوط وط «ملكتهم».
(٣) العبارة في المطبوع وحده «قبله يوما وبعده يوما».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) ما بين المعقوفتين في المخطوط عقب لفظ «الشهوات».