لعلنا بعد هذا نعرف لماذا كان ابن مسعود يردد قوله : «وبشر المخبتين» كلما رأى الربيع بن خيثم ، ولماذا كان يقول له كلما رآه : أما والله لو رآك محمد صلىاللهعليهوسلم لفرح بك ، أو لأحبك».
*
والموطن الثالث الذي جاء فيه ذكر فضيلة «الاخبات» هو قول الله تعالى في سورة الحج : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، فَيُؤْمِنُوا بِهِ ، فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ، وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وقوله : (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) أي تلين وتخشع ، وتذل وتخضع ، وتذعن للقرآن وتقر بما فيه.
ولنلاحظ أن الآية الكريمة ذكرت العلم بالحق ، ثم ذكرت الايمان ثم ذكرت الاخبات ، ثم ذكرت الاستقامة على صراط الهدى والفلاح ، فكأن الاخبات ثمرة للعلم والايمان ، ومفتاح الاستقامة والاهتداء ، وفي ذلك ما فيه من تذكير بمكانة فضيلة «الاخبات» وشأنها.
ولنلاحظ أيضا أن القرآن الكريم قد ذكر هؤلاء المخبتين العالمين المؤمنين المهتدين ، في آية تتوسط بين آية سابقة عليها تتحدث عن الذين لهم قلوب قاسية والذي قست قلوبهم ، وآية لاحقة لها تتحدث عن الكافرين الذين لا يزالون في شك ومرية ، حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ، ومن هذا الأسلوب نستطيع أن نفهم أن المخبتين ليس للشيطان عليهم من سبيل.
وهكذا يسير النظم القرآني البليغ في هذا الموطن : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ. وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ،