مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ ، وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).
وفي موطن آخر يقول لهم : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ).
وليست هذه دعوة إلى بغي أو طغيان ، وإنما يعوّد القرآن أتباعه أن يكونوا أولا على حيطة وحذر ، فيقووا أنفسهم بكل وسائل التقوية والتحصين ، حتى يكونوا أصحاب رهبة في نفوس أعدائهم ، وإلّا تطاولوا عليهم وعصفوا بهم ، ومن هنا قال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ). ويقول : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً). ويقول : (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ).
وإذا شاءت الأقدار يوما أن يلتقي المؤمنون في معركة مع الكافرين ، فالواجب حينئذ على كل مؤمن أن يظل عزيزا قويا ، وأن يثبت على مبادئه وعقائده ، لا يخيفه الألم ولا التعب ، بل يبذل جهده وطاقته ، مستخدما كلّ ما أعده قبل ذلك من سلاح وعتاد ، واثقا أنه مربوط الأسباب بالله القوي القادر ؛ وإذا شاء الله تعالى له لونا من ألوان الاختبار والابتلاء ، تحمله راضيا صابرا ، محتفظا بعزته وكرامته وشهامته ، موقنا بأن احتمال الألم خير ألف مرة من التخاذل والاستسلام : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ ، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
والإسلام ـ مع هذا ـ يدعو أتباعه إلى السّلام العادل المنصف ، الذي لا ينطوي على ضيم أو ذل ، ويدعوهم أن يغفروا الهفوة إذا كانت عن غير تعمد أو كانت لا تبلغ مبلغ الإهانة ، أو لا تخدش العزة والكرامة ، أما إذا كانت الخطيئة بغيا فعلاجها الرد عليها بما يغسل العار ، ويدفع الضيم ، ويصون الكرامة ، ولذلك يقول التنزيل المجيد :
(وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ، وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ، فَمَنْ