سورة الأنبياء : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) الى غير ذلك من الآيات. ولقد تحدث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه عن صفة الرحمة في نفسه الشريفة ، فجاء عنه أكثر من حديث حول هذه الصفة ، فقال : «أنا رحمة مهداة». وقال : «إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا». وحبب في الرحمة ، وذكّر بثوابها وحسن عاقبتها ، فقال : «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى». وقال : «إنما يرحم الله من عباده الرحماء». وقال : «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». وقال : «من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمهالله يوم القيامة». وأنذر من يتنكر لفضيلة الرحمة ، فقال : «لا تنزع الرحمة إلا من شقي» وقال : «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا». وكأن الامام علي بن أبي طالب اهتدى بهذا الهدي النبوي فقال في «نهج البلاغة» هذه العبارة : «ليتأس صغيركم بكبيركم ، وليرأف كبيركم بصغيركم».
وما أكثر المواقف التي تجلت فيها رحمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويكفي أن يعود الانسان الى كتاب مبسوط من كتب السيرة أو الشمائل ، ليجد الفيض الكبير الكريم من الأدلة والشواهد على رحمة رسول الله عليه الصلاة والسّلام التي اتسعت وانفسحت ، حتى شملت الجوانب العديدة من الحياة والاحياء. لقد رحم الصغير والكبير ، ورحم القريب والبعيد ، ورحم الراشد والشارد ، ورحم الصديق والعدو ، ورحم الانسان والحيوان ، وحسبنا أن نتذكر هنا أنه القائل : «دخلت امرأة النار في هرة حبستها ، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (١)» وهو الذي أخبر بمغفرة الله تعالى لامرأة خاطئة بسبب رحمتها كلبا استبد به العطش فسقته.
ولقد بلغ من رحمته أنه كان يصلي بالناس رجالا ونساء ، وفي نيته أن يطيل صلاته استلذاذا لها ، واستغراقا فيها ، واستبشارا بها ، ولكنه يسمع بكاء طفل ، فيخفف في صلاته رحمة بالطفل الباكي ، لعله في حاجة الى رعاية ، ورحمة
__________________
(١) خشاش الارض : ما يصلح لأكلها مما هو مطروح على الأرض.