قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    في ظلال القرآن [ ج ٤ ]

    في ظلال القرآن [ ج ٤ ]

    103/706
    *

    تشد جميع خيوطها كذلك .. إنه خط العقيدة الذي يرتكز إليه هذا الدين كله .. وإنه محور العقيدة الذي يدور عليه هذا المنهج الرباني لحياة البشرية جملة وتفصيلا ..

    وسنحتاج ـ في التعقيب الإجمالي على هذه السورة ـ أن نقف وقفات إجمالية كذلك على ذلك الخط وعلى هذا المحور ـ كما يتجلي في سياق السورة ـ وبعضها مما يكون قد سبق لنا الوقوف عنده شيئا ما. ولكننا في هذا التعقيب الإجمالي سنحتاج إلى الإلمام به ، ربطا لأجزاء هذا التعقيب الأخير :

    * * *

    إن الحقيقة الأولى البارزة في سياق السورة كله .. سواء في مقدمتها التي تعرض مضمون الكتاب الذي أرسل به محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو في القصص الذي يعرض خط الحركة بالعقيدة الإسلامية على مدى التاريخ البشري. أو في التعقيب الختامي الذي يوجه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى مواجهة المشركين بالنتائج النهائية المستخلصة من هذا القصص ومن مضمون الكتاب الذي جاءهم به في النهاية ..

    إن الحقيقة الأولى البارزة في سياق السورة كله .. هي التركيز على الأمر بعبادة الله وحده ، والنهي عن عبادة غيره .. وتقرير أن هذا هو الدين كله .. وإقامة الوعد والوعيد ، والحساب والجزاء ، والثواب والعقاب ، على هذه القاعدة الواحدة الشاملة العريضة .. كما أسلفنا في تقديم السورة وفي مواضع متعددة من تفسيرها ..

    فيبقى هنا أن نجلي أولا طريقة المنهج القرآني في تقرير هذه الحقيقة ، وقيمة هذه الطريقة :

    إن حقيقة توحيد العبادة لله ترد في صيغتين هكذا :

    (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ...) ..

    (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ، إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ...) ..

    وواضح اختلاف الصيغتين بين الأمر والنهي .. فهل مدلولهما واحد؟. إن مدلول الصيغة الأولى : الأمر بعبادة الله ، وتقرير أن ليس هناك إله يعبد سواه .. ومدلول الصيغة الثانية : النهي عن عبادة غير الله ..

    والمدلول الثاني هو مقتضى المدلول الأول ومفهومه .. ولكن الأول «منطوق» والآخر «مفهوم» .. ولقد اقتضت حكمة الله ـ في بيان هذه الحقيقة الكبيرة ـ عدم الاكتفاء بالمفهوم ، في النهي عن عبادة غير الله. وتقرير هذا النهي عن طريق منطوق مستقل. وإن كان مفهوما ومتضمنا في الأمر الأول!

    إن هذا يعطينا إيحاء عميقا بقيمة تلك الحقيقة الكبيرة ، ووزنها في ميزان الله سبحانه ، بحيث تستحق ألّا توكل إلى المفهوم المتضمن في الأمر بعبادة الله وتقرير أن لا إله يعبد سواه ؛ وأن يرد النهي عن عبادة سواه في منطوق مستقل يتضمن النهي بالنص المباشر لا بالمفهوم المتضمن! ولا بالمقتضى اللازم!

    كذلك تعطينا طريقة المنهج القرآني في تقرير تلك الحقيقة بشطريها .. عبادة الله. وعدم عبادة سواه .. أن النفس البشرية في حاجة إلى النص القاطع على شطري هذه الحقيقة سواء. وعدم الاكتفاء معها بالأمر بعبادة الله وتقرير أن لا إله يعبد سواه ؛ وإضافة النهي الصريح عن عبادة سواه إلى المفهوم الضمني الذي يتضمنه الأمر بعبادته وحده .. ذلك أن الناس يجيء عليهم زمان لا يجحدون الله ، ولا يتركون عبادته ، ولكنهم ـ مع هذا ـ يعبدون معه غيره ؛ فيقعون في الشرك وهم يحسبون أنهم مسلمون!