من مال المسلمين ، في معان عجيبة ، وأسلوب خلاّب.
وهذا كتابه إلى معاوية يجادله في الأحقّ بالخلافة ، وقتل عثمان في معان لا يحسنها سواه.
وتلك كتبه إلى العاملين على الصدقات يعلّمهم فيها وإجباتهم في جميع ملابساتهم.
وذلك عهده إلى محمّـد بن أبي بكر حين قلّده مصر. وتلك وصيّته إلى الحسن عند منصرفه من (صفّين) لم يدع فيها معنى تتطلّبه الحياة لمثله إلا وجّهه فيها أسمى توجيه ، في فلسفة خصيبة ، وحكم رائعة مفيدة ، وكلّ تلك النواحي والأغراض في معان سامية مبسّطة ، يعلو بها العلم الربّاني الغزير ، والروح السامية الرفيعة ، وتدنو بها تلك القوّة الجبّارة على امتلاك أزمّة القول ، كأنّما نثل كنانته بين يديه فوضع لكلّ معنىً لفظة في أدقِّ استعمال.
ولقد يضيق بي القول فأقف حائراً عاجزاً عن شرح ما يجول بنفسي من تقدير تلك المعاني السامية فيسعدني تصوير الإمام ـ محمّـد عبده ـ له وهو يقدّم نهج البلاغة : «فكان يخيّل إليّ في كلّ مقام أنّ حروباً شبّت ، وغارات شنّت ، وأنّ للبلاغة دولة وللفصاحة صولة ...»(١).
أما الأسلوب فيتجلى لك بما يأتي :
١ ـ الثروة من الألفاظ العربية في مفردها وجمعها ، ومذكرها ومؤنّثها ، وحقيقتها ومجازها.
٢ ـ المجازات والكنايات في معرض أنيق ، وقالب بديع.
__________________
(١) مقدمة نهج البلاغة.