(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ، ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ ، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً ، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ..
كانت آخر آية في الدرس السابق : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) .. فهنا يبين عن قواعد الجزاء للمهتدين ولغير المهتدين. ويكشف عن رحمة الله وفضله ، وعن قسطه وعدله في جزاء هؤلاء وهؤلاء.
فأما الذين أحسنوا. أحسنوا الاعتقاد ، وأحسنوا العمل ، وأحسنوا معرفة الصراط المستقيم ، وإدراك القانون الكوني المؤدي إلى دار السلام .. فأما هؤلاء فلهم الحسنى جزاء ما أحسنوا ، وعليها زيادة من فضل الله غير محدودة :
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) ..
وهم ناجون من كربات يوم الحشر ، ومن أهوال الموقف قبل أن يفصل في أمر الخلق :
(وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) ..
والقتر : الغبار والسواد وكدرة اللون من الحزن أو الضيق. والذلة : الانكسار والمهانة أو الإهانة. فلا يغشى وجوههم قتر ولا تكسو ملامحهم الذلة .. والتعبير يوحي بأن في الموقف من الزحام والهول والكرب والخوف والمهانة ما يخلع آثاره على الوجوه ، فالنجاة من هذا كله غنيمة ، وفضل من الله يضاف إلى الجزاء المزيد فيه ..
(أُولئِكَ) .. أصحاب هذه المنزلة العالية البعيدة الآفاق «أصحاب الجنة» وملاكها ورفاقها (هُمْ فِيها خالِدُونَ).
(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) ..
فكانت هي الربح الذي خرجوا به من صفقة الحياة! هؤلاء ينالهم عدل الله ، فلا يضاعف لهم الجزاء ، ولا يزاد عليهم السوء. ولكن :
(جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) .. (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) ..
تغشاهم وتركبهم وتكربهم.
(ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) ..
يعصمهم ويمنعهم من المصير المحتوم ، نفاذا لسنة الله الكونية فيمن يحيد عن الطريق ، ويخالف الناموس ..
ثم يرسم السياق صورة حسية للظلام النفسي والكدرة التي تغشى وجه المكروب المأخوذ المرعوب :
(كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) ..
كأنما أخذ من الليل المظلم فقطع رقعا غشيت بها هذه الوجوه! وهكذا يغشى الجو كله ظلام من ظلام الليل المظلم ورهبة من رهبته ، تبدو فيه هذه الوجوه ملفعة بأغشية من هذا الليل البهيم ..
(أُولئِكَ) .. المبعدون في هذا الظلام والقتام (أَصْحابُ النَّارِ) .. ملاكها ورفاقها (هُمْ فِيها خالِدُونَ).
ولكن أين الشركاء والشفعاء؟ وكيف لم يعصموهم من دون الله؟ هذه هي قصتهم في يوم الحشر العصيب :
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ، ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا : مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ. فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ. وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) :