قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    في ظلال القرآن [ ج ١ ]

    في ظلال القرآن [ ج ١ ]

    327/612
    *

    الجميع ؛ والتي تكفل عملا منتظما ورزقا مضمونا للجميع ؛ والتي تهيئ طمأنينة نفسية وضمانات اجتماعية للجميع .. ولكن هدفه هو إنتاج ما يحقق أعلى قدر من الربح ـ ولو حطم الملايين وحرم الملايين وأفسد حياة الملايين ، وزرع الشك والقلق والخوف في حياة البشرية جميعا!

    وصدق الله العظيم : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ) .. وها نحن أولاء نرى مصداق هذه الحقيقة في واقعنا العالمي اليوم!

    ولقد اعترض المرابون في عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على تحريم الربا. اعترضوا بأنه ليس هناك مبرر لتحريم العمليات الربوية وتحليل العمليات التجارية :

    (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا : إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا. وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) ..

    وكانت الشبهة التي ركنوا إليها ، هي أن البيع يحقق فائدة وربحا ، كما أن الربا يحقق فائدة وربحا .. وهي شبهة واهية. فالعمليات التجارية قابلة للربح وللخسارة. والمهارة الشخصية والجهد الشخصي والظروف الطبيعية الجارية في الحياة هي التي تتحكم في الربح والخسارة. أما العمليات الربوية فهي محددة الربح في كل حالة. وهذا هو الفارق الرئيسي. وهذا هو مناط التحريم والتحليل ..

    إن كل عملية يضمن فيها الربح على أي وضع هي عملية ربوية محرمة بسبب ضمان الربح وتحديده .. ولا مجال للمماحلة في هذا ولا للمداورة!

    (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) ...

    لانتفاء هذا العنصر من البيع ؛ ولأسباب أخرى كثيرة تجعل عمليات التجارة في أصلها نافعة للحياة البشرية ؛ وعمليات الربا في أصلها مفسدة للحياة البشرية (١) ..

    وقد عالج الإسلام الأوضاع التي كانت حاضرة في ذلك الزمان معالجة واقعية ؛ دون أن يحدث هزة اقتصادية واجتماعية :

    (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) ..

    لقد جعل سريان نظامه منذ ابتداء تشريعه. فمن سمع موعظة ربه فانتهى فلا يسترد منه ما سلف أن أخذه من الربا وأمره فيه إلى الله ، يحكم فيه بما يراه .. وهذا التعبير يوحي للقلب بأن النجاة من سالف هذا الإثم مرهونة بإرادة الله ورحمته ؛ فيظل يتوجس من الأمر ؛ حتى يقول لنفسه : كفاني هذا الرصيد من العمل السيئ ، ولعل الله أن يعفيني من جرائره إذا أنا انتهيت وتبت. فلا أضف إليه جديدا بعد! .. وهكذا يعالج القرآن مشاعر القلوب بهذا المنهج الفريد.

    (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ..

    وهذا التهديد بحقيقة العذاب في الآخرة يقوي ملامح المنهج التربوي الذي أشرنا إليه ، ويعمقه في القلوب ؛ ولكن لعل كثيرين يغريهم طول الأمد ، وجهل الموعد ، فيبعدون من حسابهم حساب الآخرة هذا! فها هو ذا القرآن ينذرهم كذلك بالمحق في الدنيا والآخرة جميعا ؛ ويقرر أن الصدقات ـ لا الربا ـ هي التي تربو وتزكو ؛ ثم يصم الذين لا يستجيبون بالكفر والإثم. ويلوح لهم بكره الله للكفرة الآثمين :

    __________________

    (١) تراجع البحوث القيمة في هذه الموضوعات : للأستاذ المودودي. وقد سبقت الإشارة إليها.