مشاهدة جلاله
وعظمته يحصل منه نور مجرّد آخر ؛ فالبرزخ ظلّه والنور القائم ضوؤه ؛ وظلّه إنّما
هو لظلم فقره وضوؤه لنورية وجوبه بنور الأنوار ؛ وكذا النور الثاني يقتضي بالنظر
إلى ما فوقه جوهرا مجرّدا وبالنظر إلى بعضه جرما سماويا وهكذا إلى أن تتكثّر جواهر
عقلية مقدّسة وأجسام فلكية.
وهذا ما صرّح به
الشيخ الإلهي في الهياكل ؛ والمصرّح به في حكمة الإشراق أنّ السلسلة الطولية من العقول وهي المعبّر عنهم بالاصول
والقواهر الأعلين إنّما تصدر عنها العقول دون الأجسام ؛ فيصدر عن كلّ بالجهة
الأشرف عقل قاهر في السلسلة الطولية وتغيّرها من الجهات عقول عرضية كما يأتي.
الثانية
:
النور السافل إذا
لم يكن بينه وبين العالي حجاب يشاهد العالي ويشرق نور العالي عليه ؛ ولا ريب [في]
أنّه ليس بين الأنوار المجرّدة عن الموادّ حجاب ؛ لأنّه من خاصّية الأبعاد
الجرمانية وهي مجرّدة عنها ؛ ولهذا لا يحجب بعضها بعضا ؛ فكلّ سافل حتّى النور
الأبعد يشاهد العالي حتّى نور الأنوار وكلّ عال حتّى نور الأنوار
يشرق على السافل شعاعه حتّى على النور الأبعد ؛ إذ من طبيعة النور الإشراق على كلّ
ظلّ مستعدّ ؛ فكلّ نور عال يشرق شعاعه على النور السافل إشراقا عقليا يسمّى الوجود
؛ / A ١٧٢ / فالنور الأقرب
يشرق عليه شعاع من نور الأنوار وهو يشاهده مشاهدة حضورية ؛ ولا يلزم من ذلك أن
يتكثّر جهة نور الأنوار بإعطاء الوجود المنوّر الأقرب والإشراق عليه وكذا على باقي
الأنوار ؛ لأنّ ما هو الممتنع الموجب المتكثّر إنّما هو أن يوجد شيئان عن نور
الأنوار ـ أي عن مجرّد ذاته ـ وهاهنا ليس كذلك ؛ إذ الصادر منه إنّما هو وجود
النور الأقرب وأمّا شروق نوره عليه وكذا على باقي الأنوار إنّما هو لصلاحية
__________________