صرف الوجود وبحت
النور والأوّل الحقّ والخير المطلق ؛ وعلى هذا فلابتهاج الموجودات وعشقها مراتب
متفاوتة ؛ فأجلّ الابتهاجات وأقوى مراتب العشق هو عشق الواجب وابتهاجه بذاته وبما
يصدر عنه من حيث إنّه يصدر عنه ويتلوه عشق المبتهجين به وبذواتهم لا من حيث هم هم
، بل من حيث كونهم مبتهجين به وهم الملائكة القدسية والجواهر العقلية ؛ فإنّهم
يعرفون أنفسهم بالأوّل ومن الأوّل وهم على الدوام في مطالعة جماله وملاحظة عظمته
وكبريائه ؛ وأمّا لذّتهم بأنفسهم فإنّما هي من حيث كونهم معلولين له ، مرتبطين
إليه ، مترشّحين من فيضه وجوده ، تابعين لذاته ووجوده.
وبالجملة : لذّتهم بأنفسهم وتغيّرها من الموجودات الإمكانية من حيث
إنّهم يرونها عبيدا وخدمة للأوّل سبحانه ؛ فإنّ من عشق ملكا فهو كما يكون مبتهجا
به يكون أيضا مبتهجا بحشمه وخدمه وقومه وجنده إلّا أنّ هذا الابتهاج يرجع حقيقة
إلى الابتهاج بالملك وإلى هذا المعنى يشير قول أمير المؤمنين عليهالسلام : «إلهي كفى بي فخرا أن يكون لي ربّا وكفى لي عزّا أن أكون
لك عبدا.»
فظهر أنّ لذّة
المجرّدات القادسة أيضا بذاته تعالى وبمخلوقاته من حيث إنّه مخلوقاته ولكنّها أدون
بمراتب غير متناهية من ابتهاج الحقّ سبحانه.
وبعد المرتبتين في
العشق والابتهاج مرتبة العشّاق المشتاقين المتحرّكين إلى طلب جمال الله تعالى وهم
النفوس الفلكية.
وبعد هذه المراتب
في العشق مرتبة النفوس الإنسانية التي وصلت إلى غاية كمالها وفازت إلى مرتبة
الوصول والاستغراق في لجّة عظمة الله بحيث لا يرى في عظمة الله العقلية غير الله
ولا يرى في الوجود مؤثّرا سوى الله ووصلت إلى
__________________