ثمّ جمهور المتكلّمين على أنّه تعالى فاعل بالقصد وجعلوا الإرادة هي القصد ؛ وردّ عليهم باستلزامه التكثّر والتجسّم ؛ ويأتي تحقيق الحقّ في حقيقة إرادته سبحانه.
فظهر أنّ قدرته تعالى عند الحكماء هو كونه تعالى بحيث يصدر الفعل بالعلم والإرادة من دون التخلّف ؛ وبتقرير آخر : كونه بحيث يتبع فعله علمه أو ترتّب فعله على علمه وأمثال ذلك ؛ فنسبة إمكان الصدور واللاصدور إليهم غير صحيح ، لتصريحهم بوجوب الصدور ؛ والأدلّة المذكورة يساعدهم ؛ وليس على وجوب اتّصافه بإمكان الصدور واللاصدور دليل قاطع يطمئنّ به النفس.
وما قيل : «إنّ هذا الإمكان صفة كمالية ؛ إذ المتمكّن من الترك بالنظر إلى ذاته أقوى من غير المتمكّن (١) ؛ فانتفاؤه عنه نقص له» ضعيف ؛ إذ بعد ثبوت أنّ كون ذاته بذاته مبدأ لإيجاد العالم صفة كمالية له وعدم مبدئيته له نقص يلزم وجوب ترتّب الصدور على ذاته ؛ إذ إمكانه يرفع مبدئيته التامّة التي هي الصفة الكمالية ، بل يوجب كون صفة كمالية له تعالى بالقوّة لا بالفعل مع أنّه تعالى منزّه عن شوائب القوّة والإمكان ، وجميع الصفات الكمالية حاصلة له بالفعل وبالوجوب.
وليت شعري أيّ فرق بين العلم بمعنى انكشاف الأشياء عليه تعالى وبين القدرة بمعنى صدورها / A ١٣٩ / عنه تعالى ؛ فإنّه كما يجب انكشافها عنده وليس في وجوبه نقص له تعالى ، بل النقص في إمكانه ، فكذلك لا يلزم نقص في وجوب صدورها عنه ، بل النقص في إمكانه.
نعم لمّا كان اللازم من وجوبه الحدوث الذاتي للعالم وهو يستلزم عدم تناهي العالم من جانب الأزل وادّعى جماعة إجماع الملّيّين على تناهية لا بدّ من القول بمسبوقيته من القدم الزماني كما عليه المتكلّمون أو الواقعي كما اختاره جماعة
__________________
(١). س : غيره التمكن.