بأنّ ما به
تحقّقها وحقيقتها هو علّتها ـ أعني الواجب سبحانه ـ / B ١٠٩ / فهي مع ملاحظة العلّة وتحقّقها متحقّقة إلّا أنّ تحقّقها
في الحقيقة يرجع إلى تحقّق العلّة ؛ إذ لو لا تحقّقها لم تكن متحقّقة.
وعلى هذا فيصحّ ما
ذكره الصوفية من أنّ الوجودات الإمكانية شئونات واعتبارات وتجلّيات وارتباطات
للوجود الحقّ الواجبي ولا تحقّق لها وإنّما التحقّق والتحصّل هو للوجود الواجبي ؛ لأنّ مرادهم أنّها بالنظر إلى أنفسها
مع قطع النظر عن العلّة اعتبارات محضة ، بل معدومات صرفة ؛ وهذا الكلام حقّ لا
ينكره أحد من العقلاء وأرباب الشرائع ؛ وليس مرادهم أنّها مع ملاحظة العلّة
وتحقّقها لا تحقّق لها ؛ إذ هذا خلاف البديهة والنظر ؛ إذ ذلك يؤدّي إلى سلب
التحقّق عن العلّة.
وكذا ما ذكره
العقلاء وأرباب النظر من إثبات الوجودات الخاصّة المتحقّقة المتكثّرة للممكنات
أيضا حقّ ؛ إذ مرادهم أنّ التحقّق لتلك الوجودات إنّما هو مع ملاحظة العلّة
وتحقّقها لا بدونه ؛ إذ عدم التحقّق لها ومعدوميتها مع عدم اعتبار العلّة ـ كما
عرفت ـ ممّا لم ينكره أحد من العقلاء وأرباب الشرائع ؛ فمرادهم هو ما ذكرناه من
أنّ تحقّقها إنّما هو مع ملاحظة العلّة.
وعلى هذا فالتوحيد الوجودي عبارة عن كون الوجود الأصيل القائم بذاته
المتحقّق بنفسه مع قطع النظر عن جميع ما سواه واحدا وكون ما سواه امورا ظلّية
ارتباطية تبعية متحقّقة بغيرها معدومة بالنظر إلى أنفسها.
فالجاهل بحقيقة
الحال لا يرى إلّا الكثرة ؛ والجهلة بحقيقة العلّية والمعلولية يرى هذه الكثرة
كثرة متحقّقة بنفسها.
وأمّا البارقون
الواقفون على حقيقة الحال فيرون الوحدة والكثرة معا ولكن كلّ منهما باعتبار ويرى
كلّا منها مرآة للآخر.
__________________