لهذا قالوا :
العلم بذي السبب لا يحصل إلّا بالعلم بسببه» انتهى.
وهذا الدليل مبنيّ
على وحدة الوجود وكون الجعل والإيجاد عبارة عن تنزّله وتطوّره وكون الممكن المعلول
مرتبة من مراتبه ودرجة من درجاته وشأنا من شئونه وقيدا من قيوده ؛ فكان كلّ ممكن
معلول هو علّته الواجبة بعد تنزّلها عن سماء الإطلاق إلى أرض التقيّد وتحوّلها عن
غيب الوحدة إلى شهادة التكثّر وانحطاطها عن ذروة الكمال إلى حضيض النقصان. فيكون المجعول بالذات هو الوجود
المقيّد تقيّد الماهيّة الظلمانية دون نفسها ؛ وحينئذ يتقوّم كلّ معلول بعلّته ؛
لأنّه في الحقيقة هو العلّة بعد عروض نقص وقصور لها / B ٣٦ / فحقيقته حقيقة العلّة.
وظاهر أنّ مشاهدة
الوجود المقيّد الناقص يتوقّف على مشاهدة المطلق الكامل ؛ ونحن لا نعتقد ذلك ولا
نؤمن به ، بل نقول : المعلول شيء متحقّق بنفسه مباين عن علّته إلّا أنّه مرتبط بها
نحوا من الارتباط ، كما يأتي. فهو يتوقّف عليها في الموجودية والتحصّل لا في
الحقيقة والتقوّم ؛ هذا.
وعلى مجعولية
الوجود شبه واهية مبنية على أخذ الوجود المجعول بالمعنى الاعتباري أو بمعنى واحد
في الكلّ ؛ ولظهور ضعفها لم نتعرّض لها وقد ذكرناها مع جوابها في بعض رسائلنا.
ثمّ القائل بمجعولية الاتّصاف احتجّ
بوجوه :
[الأوّل :] أنّ مناط الاحتياج إلى الفاعل هو الإمكان وهو كيفية نسبة
الوجود إلى الماهيّة ؛ فالمحتاج إلى الفاعل وأثره التابع له أوّلا هو النسبة.
وجوابه : أنّ المناط في الإمكان أن لا يكون ذات الممكن من حيث هو
منشأ لانتزاع الوجود عنه ، بل يكون ذلك بملاحظة صدوره عن علّته بخلاف الوجوب ؛ وقد
تقدّم التفصيل في ذلك.
__________________