ومن الواضح
المعلوم ان تلك الإرادة والكراهة ليست طلبا وإنشاء وإلا لكان كل مريد لشيء أو كاره
آمرا وناهيا وباعثا وزاجرا. وفساده أوضح من أن يبين ، إذ من الواضح انه إذا تصورت
شيئا من أفعالي وأذعنت بفائدته حصل الشوق اليه ويتأكد الشوق ويشتد ، والشوق المؤكد
المزبور هو الإرادة ، فيحصل إرادة ذلك الفعل مع انه لم يحصل طلب من أحد ولا أمر
به. ومعلوم إن الطلب لو كان عين الإرادة والكراهة المذكورتين لما انفك عنهما ،
لوجوب مساواة الحد للمحدود واستحالة تخلف الذاتي عن الذات ، والذاتي لا يختلف ولا
يتخلف ، بل الطلب ما يعبر عنه بالفارسية ب «خواستن از كسى» ، ومن المعلوم ان هذا
المعنى لا يتحقق إلا في الخارج كسائر المعاني التي هي نظيرة له كالأخذ والضرب
ونحوهما. وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد بيان لهذا في مبحث كون الطلب عين الإرادة أو
غيرها ، فاذا كان الأمر كذلك فنقول :
إن من المحقق في
مقره والمبين في محله إن علم العلة بمعلولها علم حضورى شهودي نوري ليس بارتسام
الصور ولا بحصولها في ذات العلة ، فالعلة تنال المعلول بالمشاهدة والحضور ، فيكون
علما حضوريا لا حصوليا.
فاذا تحققت هذه
المقدمات الواضحة المنار ساطعة الأنوار فنقول : إن المنشئ إذا قال افعل مثلا فلا يعقل أن لا يكون عالما
بانشائه ومنشئه ، ولا يحتاج الى تصور شىء لا مفهوم المنع من الترك ولا تأكد الطلب
ووثاقته ، إذ هذا التصور علم حصولي والمنشئ لا يحتاج الى العلم الحصولي. ومعلوم
انه ليس فرق بين أفراد المنشئ ، ولا يعقل الغفلة فى حق المنشئ بما هو منشئ ، فلا
يعقل تقسيمه الى الغافل وغيره. نعم يمكن ويعقل أن يسبق لسان أحد الى قوله افعل من
غير إرادة انشاء أصلا ، وليس الكلام فيه بل الكلام في من أنشأ.