وإما الجمعة ـ إن لخبر الدال على وجوب الظهر مثلا ، يدل على عدم وجوب الجمعة ، وكذا الخبر الدال على وجوب الجمعة. ومقتضى التدين بالأول الالتزام بوجوب الظهر ، وعدم وجوب الجمعة ، ومقتضى التدين بالثاني عكس ذلك. ولا يمكن الجمع بينهما فمقتضاه التخيير (١٤٣) فافهم.
هذا تمام الكلام في مقتضى الأصل ، مع قطع النّظر عن الاخبار الواردة في المقام. وأما بالنظر إليها ، فهل يحكم بالتخيير ، أو التوقف ، أو الأخذ بما يوافق الاحتياط ، أو التفصيل بين ما لا بد فيه من العمل فالتخيير ، وبين غيره فالتوقف ، كما حكى عن غوالي اللئالي ، أو التفصيل بين دوران الأمر بين محذورين فالتخيير ، وغيره فالتوقف ، أو التفصيل بين حق الله فالتخيير ، وحق الناس فالتوقف ، كما نسب إلى الرسائل؟ وجوه ناشئة من اختلاف الاخبار ، واختلاف الأنظار في الجمع بينهما.
فنقول المشهور ـ الّذي عليه جمهور المجتهدين ـ هو الأول ، للاخبار المستفيضة الدالة عليه ، ولكن تعارضها الاخبار الدالة على التوقف ، وهي أيضا في الكثرة لا تقصر عن الاخبار الدالة على التخيير ، وكذا تعارضها مرفوعة زرارة المحكية عن غوالي اللئالي الآمرة بالاخذ بما فيه الاحتياط ، بعد فرض السائل تساوي الخبرين في جميع ما ذكر فيها من المرجحات.
أما معارضتها للمرفوعة ، فقد أجاب عنها شيخنا المرتضى قدسسره بضعف سند المرفوعة ، فانه قد طعن في ذلك التأليف وفي مؤلفه المحدث البحراني قدسسره في مقدمات الحدائق.
وفي ما أفاده نظر ، لأن المرفوعة وإن كانت ضعيفة السند ، إلا أن ضعفها
______________________________________________________
(١٤٣) لعله إشارة إلى أنه لا يرفع اليد عن العمل بالمدلول المطابقي منهما ، لعدم القدرة على العمل بالمدلول الالتزامي ، مضافا إلى أن الإتيان بالثاني رجاء لا ينافي العمل بالمدلول الالتزامي للأول ، فلو اقتضى العلم الإجمالي لزوم إتيانه ، لا ينفيه دليل العمل بالطريق. نعم العمل به بعنوان أنه حكم الله ينافيه ذلك الدليل.