وقيل إنّها نزلت في نفر أنفقوا الأموال الطائلة في معاداة الرسول والرسالة ، وتباهوا بذلك.
والجمع بين التفاسير المذكورة جائز ، وإن كان التفسير الأوّل أكثر انسجاماً مع سياق الآيات التالية.
والفعل أهلكت يوحي إبادة الأموال وعدم الحصول على عائد منها.
ولبد : تعني الشيء المتراكم ، وهنا تعني المال الوفير.
(أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ). إنّه غافل عن هذه الحقيقة ... حقيقة اطّلاع الباري تعالى على كل الامور وعلى ظواهر الأعمال ، بل على ما يختلج في أعماق النفس والقلب ، وما يدور في الخلد والنية ... عليم بالطريق غير المشروع للحصول على هذه الأموال ، وعليم بأهداف الرياء والذاتية في إنفاق هذه الأموال.
(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (١٠)
نعمة العين واللسان والهداية : استتباعاً للآيات السابقة وما دار فيها من حديث عن الغرور والغفلة في حالات الطاغين ، تذكر هذه الآيات الكريمة جانباً من أهم ما أنعم الله به على الإنسان من نعم مادية ومعنوية ... كي تكسر فيه روح الغرور ، وتدفعه إلى التفكير في خالق هذه النعم ، وتحرّك روح الشكر في نفس الكائن البشري ومن ثم تسوقه إلى معرفة الخالق : (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنهُ النَّجْدَيْنِ).
ويكفي أن نذكر في النعم السابقة أنّ :
العين : أهم وسيلة لإرتباط الإنسان بالعالم الخارجي ، عجائب العين تدفع الإنسان حقّاً إلى الخضوع أمام خالقه ، الطبقات السبع للعين وهي المسماة بالقرنية ، والمشيمية ، والعنبية ، والجلدية ، والزلالية ، والزجاجية ، والشبكية ، لكل منها تركيب عجيب دقيق مدهش ، روعيت فيها القوانين الفزيائية والكيمياوية المتعلقة بالنور وانعكاساته على أدق وجه ، حتى إن أعقد أجهزة التصوير تعتبر تافهة مقارنة بهذا العضو.
لو لم يكن في الكون سوى الإنسان ، ولم يكن من وجود الإنسان سوى العين ، لكانت مطالعة هذا العضو كافية وحدها لمعرفة علم الله الواسع وقدرته الجبارة جلّ وعلا.
واللسان : فهو أهم وسائل إرتباط الإنسان بغيره من أبناء جلدته ، ونقل المعلومات وتبادلها بين أبناء البشر في الجيل الواحد وفي الأجيال المتعاقبة ، وبدون هذه الوسيلة الهامّة