فأنزل الله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ) (١).
التّفسير
قم وانذر الناس : لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النبي صلىاللهعليهوآله وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلاً : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ). فلقد ولى زمن النوم والإستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ.
ثم يعطي للنبي صلىاللهعليهوآله خمسة أوامر مهمة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجاً يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول : (وَرَبَّكَ فَكَبّرْ).
ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة فكبّر هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد في الروايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقاداً وعملاً ، قولاً فعلاً وهو تنزيهه تعالى من كل نقص وعيب ، ووصفه بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الروايات عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام في معنى الله أكبر : الله أكبر من أن يوصف.
ثم صدر الأمر الثاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف : (وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ). التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه.
ويمكن أن يكون المعنى هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصاً في عصر الجاهلية حيث كان الإجتناب من النجاسة قليلاً وإنّ ملابسهم وسخة غالباً ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس بحيث كان يُسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام في معنى أنّه : ثيابك فقصر (٢) ، ناظر إلى هذا المعنى.
والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة والقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.
ويبيّن تعالى الأمر الثالث بقوله : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ).
__________________
(١) التفسير الكبير ٣٠ / ١٨٩.
(٢) تفسير مجمع البيان ١٠ / ١٧٥.