ثم يضيف للتأكيد : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
قال ابن عباس : نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلىاللهعليهوآله فيخبره جبرائيل بما قالوا فيقول بعضهم (أسرّوا قولكم) ، حتى لا يسمع إله محمّد. فأنزل الله هذه الآية (١) [فقيل لهم أسروا ذلك أو اجهروا به فإنّ الله يعلمه وأسرار الأقوال واعلانها مستويان عنده تعالى في تعلق علمه].
وتأتي الآية اللاحقة دليلاً وتأكيداً على ما ورد في الآية السابقة ، حيث يقول تعالى : (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
«اللطيف : مأخوذ في الأصل من (اللطف) ويعني كل موضوع دقيق وظريف ، وكل حركة سريعة وجسم لطيف ، وبناءً على هذا فإنّ وصف الله تعالى ب (اللطيف) إشارة إلى علمه عزوجل بالأسرار الدقيقة للخلق.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (١٨)
بعد الأبحاث التي إستعرضناها في الآيات السابقة بالنسبة لأصحاب النار وأصحاب الجنة ، والكافرين والمؤمنين ، يشير تعالى في الآيات مورد البحث إلى بعض النعم الإلهية ، ثم إلى أنواع من عذابه ، وذلك للترغيب والتشويق بالجنة لأهل الطاعة ، والإنذار بالنار لأهل المعصية. يقول تعالى : (هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً). (فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).
«ذلول : بمعنى (مطيع) وهو أجمل تعبير يمكن أن يطلق على الأرض ، لأنّ هذا المركب السريع السير جدّاً ، مع حركته المتعددة ، يلاحظ هادئاً إلى حدّ يبدو وكأنّه ساكناً بصورة مطلقة.
يقول بعض العلماء : إنّ للأرض أربع عشرة حركة مختلفة ، ثلاث منها هي :
__________________
(١) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي ٨ / ٦٠ ، والتفسير الكبير ٣٠ / ٦٦.