ومن الطبيعي أنّ جميع هذه الآثار العظيمة لا تكون إلّامن خلال التدبر في قراءة آيات هذه السورة والعمل بها ، والإستلهام من محتوياتها في الممارسات الحياتية المختلفة.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) (٥)
تبدأ آيات هذه السورة بمسألة مالكية وحاكمية الله سبحانه ، وخلود ذاته المقدسة ، وهي في الواقع مفتاح جميع أبحاث هذه السورة المباركة. يقول تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ).
«تبارك : من مادة بركة في الأصل من برك على وزن (ترك) بمعنى (صدر البعير) ، واطلقت كذلك على كل نعمة باقية ودائمة.
ثم يشير سبحانه في الآية اللاحقة إلى الهدف من خلق الإنسان وموته وحياته ، وهي من شؤون مالكيته وحاكميته تعالى فيقول : (الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
«الموت : حقيقته الإنتقال من عالم إلى عالم آخر ، وهذا الأمر وجودي يمكن أن يكون مخلوقاً ، لأنّ الخلقة ترتبط بالامور الوجودية ، وهذا هو المقصود من الموت في الآية الشريفة ، أمّا الموت بمعنى الفناء والعدم فليس مخلوقاً ، لذا فإنّه غير مقصود.
أمّا الهدف من الإمتحان فهو تربية الإنسان كي يجسّد الاستقامة والتقوى والطهر في الميدان العملي ليكون لائقاً للقرب من الله سبحانه ، وقد بحثنا ذلك مفصّلاً فيما سبق.
ومن هنا نعلم أنّ العالم ميدان الإمتحان الكبير لجميع البشر ، ووسيلة هذا الإمتحان هو الموت والحياة ، والهدف منه هو الوصول إلى حسن العمل الذي مفهومه تكامل المعرفة ، وإخلاص النيّة ، وإنجاز كل عمل خيّر.