فالمالكية المطلقة في عالم الوجود له وحده ، والحاكمية المطلقة على هذا العالم له أيضاً ، ولذلك فإنّ تدبير عالم الوجود بيده فحسب. ولما كان الأمر كذلك فهو وحده الجدير بالعبادة والشفاعة.
إنّ هدفه الكبير من هذا الخلق الواسع ليستيقظ الإنسان في عالم الوجود وليسير في مسير التكامل في ضوء المناهج التكوينية والتشريعية وتعليم الأنبياء وتربيتهم ، لذلك فإنّ القرآن يذكر نتيجة هذه المالكية فيختتم الآية بالقول : (لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى).
ثم يصف القرآن المحسنين في الآية التالية فيقول : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ).
«الكبائر : جمع كبيرة ؛ والإثم في الأصل هو العمل الذي يُبعد الإنسان عن الخير والثواب ، لذلك يطلق على الذنب عادةً ؛ واللمم : معناه الإقتراب من الذنب. في الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : اللمم : الرجل يلمّ بالذنب فيستغفر الله منه.
والقرائن الموجودة في هذه الآية تشهد على هذا المعنى أيضاً ... إذ قد تصدر من الإنسان بعض الذنوب ، ثم يلتفت إليها فيتوب منها.
أضف إلى ذلك فإنّ الجملة التالية بعد الآية في القرآن تقول : (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ).
وهذا يدل على أنّ ذنباً صدر من الإنسان وهو بحاجة إلى غفران الله. يعنى أنّ الذين أحسنوا من الممكن أن ينزلقوا في منزلق ما فيذنبوا ، إلّاأنّ الذنب على خلاف سجيّتهم وطبعهم وقلوبهم الطاهرة ـ وإنّما تقع الذنوب عَرضاً ، ولذلك فما أن يصدر منهم الذنب إلّا ندموا وتذكّروا وطلبوا المغفرة من الله سبحانه.
ويتحدث القرآن في ذيل الآية عن علم الله المطلق مؤكّداً عدالته في مجازاة عباده حسب أعمالهم فيقول : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ).
وقوله أنشأكم من الأرض إمّا هو بإعتبار الخلق الأوّل عن طريق آدم عليهالسلام الذي خلقه من تراب ، أو باعتبار أنّ ما يتشكّل منه وجود الإنسان كله من الأرض ، حيث له الأثر الكبير في التغذية وتركيب النطفة ، ثم بعد ذلك له الأثر في مراحل نمو الإنسان أيضاً.
وعلى كل حال ، فإنّ الهدف من هذه الآية أنّ الله مطّلع على أحوالكم وعليم بكم منذ كنتم ذرّات في الأرض ومن يوم إنعقدت نطفتكم في أرحام الامّهات في أسجاف من الظلمات فكيف ـ مع هذه الحال ـ لا يعلم أعمالكم.