وتُختتم الآية لمزيد التأكيد بالقول : (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وأي ظلمٍ أسوأ من أن يؤذي شخص بالكلمات اللاذعة و «اللاسعة» والتحقير واللمز قلوب المؤمنين التي هي «مركز عشق» الله.
في هذه الآية يبدأ القرآن فيقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ).
المراد من هذا النهي هو النهي عن ترتيب الآثار ، أي متى ما خطر الظنّ السيء في الذهن عن المسلم فلا ينبغي الإعتناء به عمليّاً ، ولا ينبغي تبديل اسلوب التعامل معه ولا تغيير الروابط مع ذلك الطرف.
ولذلك نقرأ في هذا الصدد حديثاً ـ في الأمالي للصدوق ـ عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام قال : «... وضَع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يَغلِبُك منه ، ولا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً».
ثم تذكر الآية موضوع «التجسّس» فتنهى عنه بالقول : (وَلَا تَجَسَّسُوا).
وأخيراً فإنّ الآية تضيف في آخر هذه الأوامر والتعليمات ما هو نتيجة الأمرين السابقين ومعلولهما فتقول : (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا).
وهكذا فإنّ سوء الظن هو أساس التجسس ، والتجسس يستوجب إفشاء العيوب والأسرار ، والإطّلاع عليها يستوجب الغيبة ، والإسلام ينهى عن جميعها علةً ومعلولاً.
ولتقبيح هذا العمل يتناول القرآن مثلاً بليغاً يجسّد هذا الأمر فيقول : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ).
أجل ، إنّ كرامة الأخ المسلم وسمعته كلحم جسده ، وابتذال ماء وجهه بسبب اغتيابه وإفشاء أسراره الخفية كمثل أكل لحمه.
كلمة «ميتاً» للتعبير عن أنّ الإغتياب إنّما يقع في غياب الأفراد ، فمثلهم كمثل الموتى الذين لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ، وهذا الفعل أقبح ظلم يصدر عن الإنسان في حق أخيه.
وحيث أنّه من الممكن أن يكون بعض الأفراد ملوّثين بهذه الذنوب الثلاثة ويدفعهم وجدانهم إلى التيقّظ والتنبّه فيلتفتون إلى خطئهم ، فإنّ السبيل تفتحه الآية لهم إذ تُختتم بقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ).