* تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصّلَتءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) حتى بلغ (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) فقال عتبة : حسبك ما عندك غير هذا؟ قال : لا. فرجع إلى قريش فقالوا : ما وراءك؟ قال : ما تركت شيئاً أرى أنّكم تكلمون به إلّاكلمته قالوا : فهل أجابك؟ قال : والذي نصبها بنية ما فهمت شيئاً مما قال غير أنّه قال : (أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) قالوا : ويلك يكلمك الرجل بالعربية وما تدري ما قال؟ قال لا والله ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة.
نعود الآن إلى المجموعة الاولى من آيات هذه السورة المباركة ، التي تطالعنا بالحروف المقطعة في أوّلها (حم).
إنّ البعض اعتبر (حم) اسماً للسورة ، أو أنّ (ح) إشارة إلى «حميد» ، و (م) إشارة إلى «مجيد» وحميد ومجيد هما من أسماء الله العظمى.
ثم تتحدث عن عظمة القرآن فتقول : (تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
إنّ «الرحمة العامة» و «الرحمة الخاصة» لله تعالى هما باعث نزول هذه الآيات الكريمة التي هي رحمة للعدو والصديق ، ولها بركات خاصة للأولياء.
بعد التوضيح الاجمالي الذي أبدته الآية الكريمة حول القرآن ، تعود الآيات التالية إلى بيان تفصيلي حول أوصاف هذا الكتاب السماوي العظيم ، وذكرت له خمسة صفات ترسم الوجه الأصلي للقرآن : فتقول أوّلاً : إنّه كتاب ذكرت مطاليبه ومواضيعه بالتفصيل كل آية في مكانها الخاص ، بحيث يلبّي احتياجات الإنسان في كل المجالات والأدوار والعصور ، فهو : (كِتَابٌ فُصّلَتءَايَاتُهُ). وهو كتاب فصيح وناطق : (قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
وهذا الكتاب بشير للصالحين ، نذير للمجرمين : (بَشِيرًا وَنَذِيرًا). إلّاأنّ أكثرهم : (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَايَسْمَعُونَ).
بناءً على ذلك فإنّ أوّل خصائص هذا الكتاب هو أنّه يتضمّن في تشريعاته وتعاليمه كل ما يحتاجه الإنسان وفي جميع المستويات ، ويلبّي ميوله ورغباته الروحية.
الصفة الثانية أنّه متكامل ، لأنّ «قرآن» مشتق من القراءة ، وهي في الأصل بمعنى جمع أطراف وأجزاء الكلام.
الصفة الثالثة تتمثل بفصاحة القرآن وبلاغته ، حيث يذكر الحقائق بدقّة بليغة دون أيّ نواقص ، وفي نفس الوقت يعكسها بشكل جميل وجذّاب.