فيقول تعالى : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).
هناك مسألة مهمّة تعدّ مصدراً لكل الحقوق ، وهي : ما الهدف من وجود الخلق؟ فعندما ننظر إلى هذا العالم الوسيع ، ونوافق على أنّ هذا العالم الوسيع لم يخلقه الله عبثاً ، نتابع الهدف من وراء ذلك الخلق ، الهدف الذي يمكن إيجازه في كلمات قصيرة وعميقة ، وهي (التكامل) و (التعليم) و (التربية) ومن هنا نستنتج أنّ الحكومات عليها أن تسير وفق هذا الخطّ ، فعليها أن تثبت اسس التربية والتعليم لتكون أساس التكامل المعنوي عند الإنسان.
الآية التالية تضيف : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).
كما أنّ عدم وجود هدف من خلق العالم يعدّ أمراً مستحيلاً ، فمن المستحيل أيضاً المساواة بين الصالحين والطالحين ، لأنّ المجموعة الاولى كانت تخطو خطواتها وفق أهداف خلق العالم للوصول إلى الغاية النهائية ، بينما كانت المجموعة الثانية تسير بإتّجاه مخالف لمسير المجموعة الاولى.
وبعبارة اخرى : فلإثبات مسألة المعاد ـ أحياناً ـ يمكن الاستدلال عليها عن طريق برهان (الحكمة) وأحياناً اخرى عن طريق برهان (العدالة) ، فالآية السابقة استدلال بالحكمة ، والآية التي بعدها إستدلال بالعدالة.
الآية الأخيرة في بحثنا هذا تشير إلى موضوع يوضّح ـ في حقيقة الأمر ـ الهدف من الخلق ، إذ جاء في الآية الكريمة : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ).
فتعليماته خالدة ، وأوامره عميقة وأصيلة ، ونظمه باعثة للحياة وهادية للإنسان إلى الطريق المؤدّي إلى إكتشاف هدف الخلق.
فالهدف من نزول هذا الكتاب العظيم لم يقتصر ـ فقط ـ على تلاوته وتلفّظ اللسان به ، بل لكي تكون آياته منبعاً للفكر والتفكّر وسبباً ليقظة الوجدان ، لتبعث بدورها الحركة في مسير العمل.
(وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) (٣٣)