أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا).
٣ ـ ثم تنتقل الآية لتقول : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى). «الوزر» : بمعنى الحمل الثقيل ؛ وأيضاً تأتي بمعنى المسؤولية ، لأنّ المسؤولية ـ أيضاً ـ حمل معنوي ثقيل على عاتق الإنسان.
طبعاً هذا القانون الكلي الذي تُقرره آية (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) لا يتنافى مع ما جاء في الآية (٢٥) من سورة النحل التي تقول : (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) لأنّ هؤلاء بسبب تضليلهم للآخرين يكونون فاعلين للذنب أيضاً ، أو يُعتبرون بحكم الفاعلين له ، ولذلك فهم في واقع الأمر يتحملون أوزارهم وذنوبهم.
٤ ـ الحكم الرابع يتمثل في قوله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) يقوم ببيان التكليف وإلقاء الحجة.
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (١٧)
مراحل العقاب الإلهي : إنّ موضوع البحث في هذه الآيات يُكمّل ما كنّا بصدد بحثه في نهاية الآيات السابقة ، ولكن بصورة اخرى ، إذ تقول الآية الكريمة : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنهَا تَدْمِيرًا) (١).
إنّ الآيات التي كُنّا قبل قليل بصدد بحثها ، كانت تتحدّث عن أنّ العقاب الإلهي لا يمكن أن ينزل بساحة شخص أو مجموعة أو امّة ، من دون أن تكون هناك حجة وبيان للتكليف من قبل الرسل والأنبياء عليهمالسلام والآية التي نحن بصددها الآن ، تتحدث عن نفس هذا الأصل ولكن بطريقة اخرى.
إنّ الله لا يُعاقب أو يؤاخذ أحداً بالعذاب ، قبل أن يتمّ الحجة عليه ، وقبل أن يتّضح ويستبين تكليفه ، ففي البداية يضع الله تعليماته وأوامره أمام الناس ، فإذا التزموا بها وأطاعوا فستنالهم سعادة الدنيا والآخرة. أمّا إذا عصوا وخالفوا ولم يلتزموا الأوامر والنواهي الربانية ، فسيحيق بهم العذاب ، ويؤدّي إلى هلاكهم.
__________________
(١) بالرغم من أنّ كلمة «قول» لها معنى واسع ولكنّها هنا تعني إعطاء الأمر بالعذاب.