منفعته الواقعية ، وهكذا بنتيجة تعجّله واندفاعه المضطرب يَضيع عليه وجه الحقيقة ، ويتغير مضمونها بنظره ، فيقود نفسه باتجاه الشر والأعمال السيئة الضارّة.
وهكذا ينتهي الإنسان ـ نتيجة سوء تشخيصه واضطراب مقياسه في رؤية الخير والحقيقة ـ إلى أن يطلب من الله الشر ، تماماً كما يطلب منه الخير ، وأن يسعى وراء الأعمال السيئة ، كسعيه وراء الأعمال الحسنة ، وهذا الإضطراب وفقدان الموازين هو أسوأ بلاء يصاب به الإنسان ويحول بينه وبين السعادة الحقيقية.
في محاسن البرقي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنّما أهلك الناس العجلة ، ولو أنّ الناس تثبّتوا لم يهلك أحد.
طبعاً هناك باب في الروايات الإسلامية بعنوان «تعجيل فعل الخير» ففي الكافي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «إنّ الله يحبّ من الخير ما يعجّل».
إنّ العجلة المذمومة هي التي تكون أثناء البحث والدراسة لمعرفة جوانب العمل المختلفة ، أمّا السرعة والعجلة الممدوحتان فهما اللتان يكونان بعد اتخاذ قرار الشروع بالعمل ، والتصميم على التنفيذ ، لذلك نقرأ في الروايات : «سارعوا في عمل الخير». أي : بعد أن يثبت أنّ هذا العمل خير فلا مجال للتأخير والتسويف.
الآية التي بعدها تتحدث عن تعاقب الليل والنهار ومنافع هذا التعاقب ، لتجعل من هذا الشاهد مثالاً على معرفة الله والتمعّن بآياته ، والمثال أيضاً يفيد معنى التأمل والهدوء ويدعو إلى محاذرة التعجّل والتسرّع. الآية تقول أوّلاً : (وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَءَايَتَيْنِ). ثم : (فَمَحَوْنَاءَايَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَاءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً). ولنا في ذلك هدفان : الأوّل : (لّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبّكُمْ) حيث تنطلقون نهاراً في الكسب والعمل والمعاش مستثمرين العطايا الإلهية ، وتنعمون ليلاً بالراحة والهدوء والإستقرار. والهدف الثاني فهو : (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ) لكي لا تبقى شبهة لأحد (وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنهُ تَفْصِيلاً).
(وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥)