الأفراد للآخرين ، ولا سيما إلى أصحاب الثروة والمال ، كي ينالوا منهم أجراً أحسن وأكثر.
وبديهي أنّه في مثل هذه الهدايا لا يؤخذ بنظر الإعتبار استحقاق الطرف الآخر ولا الجدارة والأولوية ، بل كل ما يهدف إليه أن تصل الهدية إلى مكان ، تعود على مُهديها بمبلغ أوفر ومن الطبيعي أنّ مثل هذه الهدايا ليس فيها «جنبة» إخلاص ، فلا قيمة لها من الجهة الأخلاقية والمعنوية.
فعلى هذا يكون معنى «الربا» في هذه الآية هو «الهدية والعطية» ، والمراد من جملة (لّيَرْبُوَا فِى أَمْوَالِ النَّاسِ) هو أخذ الأجر الوافر من الناس. ولا شك أنّ أخذ مثل هذه الأجرة ليس حراماً ، إذ ليس فيه شرط أو قرار ، إلّاأنّه فاقد للقيمة الأخلاقية والمعنوية ...
وفي الآية الأخيرة ـ من الآيات محل البحث ـ عودة اخرى إلى مسألة المبدأ والمعاد ، وهي الموضوع الأساس الذي ورد في كثير من آيات هذه السورة ... وتصف الآية «الله» بأربعة أوصاف لتكون إشارة للتوحيد ومواجهة الشرك ، ودليلاً على المعاد أيضاً فتقول : (اللهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذلِكُم مِّن شَىْءٍ سُبْحنَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
ومن المسلّم به أنّ المشركين لم يكن أيّ منهم يعتقد بأنّ الخلق كان من قِبل الأوثان ، أو أنّ أرزاقهم بيد الأوثان والأصنام ، أو أنّ نهاية حياتهم بأيدي هذه الأوثان كذلك ، فعلى هذا يكون الجواب على هذه الأسئلة هو النفي ، والاستفهام هنا استفهام إنكاري.
إنّ القرآن يقول : عندما يكون الخلق والرزق والموت والحياة بيد الله ، فالعبادة ينبغي أن تكون له فقط ، ويكشف هذه الحقيقة بقوله : (سُبْحنَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) وهي أنّ المشركين أهانوا كثيراً مقام رب العزة إذ أشركوه في العبادة مع أوثانهم.
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (٤٥)