إنّ القصد من التسبيح والحمد هما ما نعبر عنه بعبارة «لسان حاله». أي نظام الوجود وأسراره المدهشة الكامنة في كل مخلوق تتحدث بصراحة عن عظمة الخالق وعلمه وحكمته التي لا حدود لها ، إذ كل مخلوق جميل ، وكل أثر فني بديع يثير الدهشة والإعجاب ، حتى أنّ لوحة فنية وقطعة شعرية جميلة ، تحمد وتسبّح لمبدعها. فمن جهة تكشف عن صفاته (بحمدها له) ومن جهة اخرى تنفي عنه أي عيب أو نقص (فتسبحه) ، فكيف وهذا الكون العظيم بما فيه من عجائب وغرائب لا تنتهي.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٥)
جانب آخر من الخلق العجيب : نواجه ثانية ـ في هذه الآيات ـ جانباً آخر من مسألة الخلق المدهشة ، وما احتوته من آيات العلم والحكمه والعظمة ، وكل ذلك من أدلة توحيد ذات الله الطاهرة. يخاطب القرآن المجيد النبيّ صلىاللهعليهوآله ثانية ويقول : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِى سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا). وبعد أن تتراكم السحب ترى قطرات المطر تخرج من بين السحاب وتهبط على الجبال والسهول والصحاري ، (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِللِهِ).
«يزجي» : مشتقة من «الإزجاء» ، أي سوقه باسلوب لين لترتيب المخلوقات المتبعثرة هنا وهناك بقصد جمعها.
«ركام» : على وزن «غلام» ، بمعنى الأشياء المتراكمة بعضها فوق بعض.
«الودق» : على وزن «شرق» ، أنّها حبّات المطر.
فهو الذي يحيي الأرض بعد موتها ويبعث الحياة في الأشجار والنباتات ، ويروي عطش البشر والحيوان.
وأشار القرآن إلى ظاهرة اخرى من ظواهر السماء المدهشة ، وهي السحاب ، حيث قال :