بعد أن عرضت الآيات السابقة بحوثاً استدلالية في نفي الشرك وعبادة الأصنام ، تأتي هذه الآيات لتتناول قسماً من بدع المشركين وصوراً من عاداتهم القبيحة ، لتضيف دليلاً آخراً على بطلان الشرك وعبادة الأصنام ، فتشير الآيات إلى ثلاثة أنواع من بدع وعادات المشركين : وتقول أوّلاً : (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَايَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ).
وكان النصيب عبارة عن قسم من الإبل بقية من المواشي بالإضافة إلى قسم من المحاصيل الزراعية ، وهو ما تشير إليه الآية (١٣٦) من سورة الأنعام.
ثم يضيف القرآن الكريم قائلاً : (تَاللهِ لَتُسَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ).
وعليه فما تقومون به له ضرر مادي من خلال ما تعملونه بلا فائدة ، وله عقاب أخروي لأنّكم أسأتم الظن بالله واتجهتم إلى غيره.
أمّا البدعة الثانية فكانت : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ) من التجسّم ومن هذه النسبة. (وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ). أي : إنّهم لم يكونوا ليقبلوا لأنفسهم ما نسبوه إلى الله ، ويعتبرون البنات عاراً وسبباً للشقاء.
وإكمالاً للموضوع تشير الآية التالية إلى العادة القبيحة الثالثه : (وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ).
ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد بل (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشّرَ بِهِ).
ولم ينته المطاف بعد ، ويغوص في فكر عميق : (أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ).
وفي ذيل الآية ، يستنكر الباري حكمهم الظالم الشقي بقوله : (أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).
وأخيراً يشير تعالى إلى السبب الحقيقي وراء تلك التلوّثات ، ألا هو عدم الإيمان بالآخرة : (لِلَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
فالسبب الرئيسي لكل انحراف وقبح وخرافة هو الغفلة عن ذكر الله وعن محكمته العادلة في الآخرة.
دور الإسلام في إعادة اعتبار المرأة : لم يكن احتقار المرأة مختصاً بعرب الجاهلية ، فلم تلق المرأة أدنى درجات الإحترام والتقدير حتى في أكثر الامم تمدّناً في ذلك الزمان ، وكانت المرأة غالباً ما يتعامل معها باعتبارها بضاعة وليست إنساناً محترماً ، ولكن عرب الجاهلية جسّدوا تحقير المرأة بأشكال أكثر قباحة ووحشية من غيرهم.
وعندما ظهر الإسلام حارب بشدة هذه المهانة من كافة أبعادها.