ثم تقول الآية : (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى). «تشقى» : مأخوذة من مادة الشقاء ضدّ السعادة ، إلّاأنّ هذه المادة تأتي أحياناً بمعنى المشقّة والتعب ، والمراد في الآية هذا المعنى.
ثم تبيّن الآية الاخرى الهدف من نزول القرآن فتقول : (إِلَّا تَذْكِرَةً لّمَن يَخْشَى).
إنّ التعبير ب «تذكرة» من جهة ، وب «من يخشى» من جهة اخرى يشير إلى واقع لا يمكن إنكاره ، وهو : إنّ التذكرة توحي بأنّ أسس ومقومات كل التعليمات الإلهية موجودة في أعماق روح الإنسان وطبيعته ، وتعليمات الأنبياء تجعلها مثمرة ، وتوصلها إلى حدّ النضج ، كما نذكّر أحياناً بمطلب وأمر ما.
إنّ تعبير «من يخشى» يبيّن أنّ نوعاً من الإحساس بالمسؤولية ، والذي سمّاه القرآن بالخشية ، إذا لم يكن موجوداً في الإنسان ، فسوف لا يقبل الحقائق.
ثم تتطرق الآيات إلى التعريف بالله تعالى المنزل للقرآن ، لتّتضح عظمة القرآن من خلال معرفته ، فتقول : (تَنزِيلاً مّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّموَاتِ الْعُلَى).
إنّ هذا التعبير إشارة إلى ابتداء وانتهاء نزول القرآن ، انتهاؤه إلى الأرض وابتداؤه من السماوات.
ثم تستمر في تعريف الله المنزل للقرآن فتقول : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى).
إنّ هذا التعبير كناية عن تسلّط الله ، وإحاطته الكاملة بعالم الوجود ، ونفوذ أمره وتدبيره في جميع أنحاء العالم.
ثم تتحدث عن مالكية الله بعد حاكميته فتقول : (لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى). «الثرى» : في الأصل بمعنى التراب الرطب ، ولمّا كانت قشرة الأرض ـ فقط ـ هي التي تجف نتيجة لأشعة الشمس وهبوب الرياح ، وتبقى الطبقة السفلى ـ غالباً ـ رطبة ، فإنّه يقال لهذه الطبقة : ثرى. وعلى هذا فإنّ (وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) تعني أعماق الأرض وجوفها ، وكلها مملوكة لمالك الملك وخالق عالم الوجود.
وأشارت الآية التالية إلى الركن الرابع ، أي «العالمية» ، فقالت : (وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السّرَّ وَأَخْفَى).
وعرف منزل القرآن من مجموع الآيات أعلاه معرفة إجمالية في الأبعاد الأربعة : الخلقة ، والحكومة ، والمالكية ، والعلم.
والآية التالية ربّما تشير إلى ما ذكرنا : (اللهُ لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى).