زرع ، لكنها مدينة عامرة ، وقد صارت بإذن الله مركزاً مهماً للبيع والشراء والتجارة.
ويضيف القرآن في نهاية الآية قائلاً : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). فكل ما يأمركم به الله فهو وفق حكمته ، وهو عليم بما سيؤول إليه أمره من نتائج مستقبلية ، وهو خبير بذلك.
(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (٢٩)
مسؤوليتنا إزاء أهل الكتاب : كان الكلام في الآيات السابقة عن وظيفة المسلمين إزاء المشركين ، أمّا الآية محل البحث (وما يليها من الآي) فتبيّن تكليف المسلمين ووظيفتهم إزاء أهل الكتاب. وفي هذه الآيات جعل الإسلام لأهل الكتاب سلسلة من الأحكام تعدّ حدّاً وسطاً بين المسلمين والكفار ، لأنّ أهل الكتاب من حيث إتّباعهم لدينهم السماوي لهم شبه بالمسلمين ، إلّاأنّهم من جهة اخرى لهم شبه بالمشركين أيضاً.
ولهذا فإنّ الإسلام لا يجيز قتلهم ، مع أنّه يجيز قتل المشركين الذين يقفون بوجه المسلمين ، لأنّ الخطة تقضي بقلع جذور الشرك والوثنية من الكرة الأرضية ، غير أنّ الإسلام يسمح بالعيش مع أهل الكتاب في صورة ما لو احترم أهل الكتاب الإسلام ، ولم يتآمروا ضده ، أو يكون لهم إعلام مضاد.
والعلامة الاخرى لموافقتهم على الحياة المشتركة السلمية مع المسلمين هي أن يوافقوا على دفع الجزية للمسلمين ، بأن يعطوا كل عام إلى الحكومة الاسلامية مبلغاً قليلاً من المال بحدود وشروط معينة سنتناولها في البحوث المقبلة إن شاء الله.
وفي غير هذه الحال فإنّ الإسلام يصدر أمره بمقاتلتهم ، ويوضح القرآن دليل شدة هذا الحكم في جمل ثلاث في الآية محل البحث ، إذ تقول الآية أوّلاً : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْأَخِرِ).
لكن كيف لا يؤمن أهل الكتاب ـ كاليهود والنصارى ـ بالله وباليوم الآخر ، مع أنّنا نراهم في الظاهر يؤمنون بالله ويقرون بالمعاد أيضاً؟
والجواب : لأنّ إيمانهم مزيج بالخرافات والأوهام.
ثم تشير الآية إلى الصفة الثانية لأهل الكتاب ، فتقول : (وَلَا يُحَرّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ).