رهينا ، وفي ضيق المضجع وحيدا ، قد هتكت الهوامّ جلدته ، وأبلت النّواهك جدّته ، وعفت العواصف آثاره ، ومحا الحدثان معالمه ، وصارت الأجساد شحبة بعد بضّتها ، والعظام نخرة بعد قوّتها ، والأرواح مرتهنة بثقل أعبائها موقنة بغيب أنبائها ، لا تستزاد من صالح عملها ، ولا تستعتب من سيّئ زللها! أو لستم أبناء القوم والآباء ، وإخوانهم والأقرباء؟ تحتذون أمثلتهم ، وتركبون قدّتهم ، وتطئون جادّتهم؟! فالقلوب قاسية عن حظّها ، لاهية عن رشدها ، سالكة في غير مضمارها! كأنّ المعنيّ سواها ، وكأنّ الرّشد في إحراز دنياها.
واعلموا أنّ مجازكم على الصّراط ومزالق دحضه ، وأهاويل زلله ، وثارات أهواله ؛ فاتّقوا الله عباد الله تقيّة ذي لبّ شغل التّفكّر قلبه ، وأنصب الخوف بدنه ، وأسهر التّهجّد غرار نومه ، وأظمأ الرّجاء هواجر يومه ، وظلف الزّهد شهواته ، وأوجف الذّكر بلسانه ، وقدّم الخوف لإبانه » (١).
وحفلت هذه المواعظ بجميع ألوان النصح والإرشاد ليستقيم الإنسان في سلوكه ، ولا يندفع وراء التيارات العاطفية والشهوات النفسية ليكون بمأمن من عذاب الله وغضبه ، وفي آخر هذه الخطبة فصول مروعة من حياة الإنسان ، وما يعقبها من الفناء والرحيل عن هذه الدنيا.
__________________
(١) نهج البلاغة ١ : ١٣٣ ـ ١٤١.